قم بزيارة هذه الصفحات

الفصول الإفتراضية.........


خالد الشبانة
تحوَّلت المدرسة من مصدر رئيس للمعرفة إلى فرع من فروعها؛ إذ نافس المدرسة التقنية بأنواعها كافة؛ فيحصل الطالبـ/ ـة على المعلومة بشكل سهل وسريع وجاذب ومتعدد الوسائل، بالصورة والفيديو والصوت، وغيرها.
 
تلك الديناميكية المتسارعة في التقنية تتجه بالتعلُّم الذاتي اتجاهًا تصاعديًّا؛ يوحي بضمور أدوار المدرسة في حال تراجعت عن مواكبة ذلك التطور.
 
يتحدث باحثو استشراف مستقبل التعليم أن المدرسة الافتراضية وفصولها ومعلميها متجهون نحو مزاحمة المدرسة التقليدية؛ ومنافسة بل مزاحمة دور ومكان المعلم في الفصل مع طلابه!
 
وتجارب ذلك الاستشراف تتحقق وتنجح يومًا بعد يوم، وكذا التعليم عن بعد والاجتماعات الافتراضية عبر التقنية تزداد استخدامًا بشكل سريع.. انظر إلى إقبال الأطفال والمراهقين على الفيديوهات التعليمية والترفيهية المباشرة عن مونتاج رحلة سياحية، أو تعليم درس خصوصي، أو مهارات حرفة، وغيرها.. ونجد مشاهداتها بالملايين في زمن قليل، يضاف لذلك غياب الطالب المتكرر، وتململه من مدرسته التقليدية..
 
يقودنا هذا وغيره إلى أن دائرة المعلم مع طلابه تتسع، والمعلم يبتعد عن الطالب يومًا بعد يوم؛ ما يعني ضرورة تطوير وتطور المعلم ذاتيًّا ومركزيًّا بالمهارات المهمة التي تثبت مكانته ودوره الرئيس.
 
تجربة أكاديمية خان تأتي مثلاً للمنصة التعليمية الإلكترونية، التي أسسها سلمان خان، التربوي الأمريكي؛ إذ بدأ بتقديم دروس خاصة لإحدى بناته عبر النت بقنوات الفيديو، ثم تطور بإنتاج مجموعة ضخمة وواسعة من مذكرات المواد الدراسية؛ فانضم معه آلاف الطلاب والطالبات عبر فيديوهات مخزنة على موقع يوتيوب بدخول ملايين الطلاب عليه لتدريس الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء وعلم الفلك والاقتصاد بشكل خصوصي.
 
لكن التقنية مهما بلغت من ذكاء وأداء غير موجودة في كل مكان، ولا يُعلم عمرها، ويتعذر معها تحقيق أهداف تعليم المهارات اليدوية، وأهداف التعلم الوجدانية والروحية، كالقدوة في تطبيق القيم، والأخلاق، والمبادئ، وبث مشاعر الحب والرحمة والعطف والود.. ومهارات التواصل في الاجتماع البشري لن تكون من الآلة مثل أن تكون من المعلم الإنسان.
 
واستشراف مستقبل التعليم ضروري؛ فكل آت قريب، والمستقبل مقلق، من ذلك التوقع مستقبلاً بضمور الوجود الفعلي للمعلم مع التلميذ، ومرورًا بانتهاء الكتاب الورقي، ووصولاً لإلغاء وجود مبنى المدرسة كاملاً.
 
هذا التحدي أمام معرفة تتضاعف كل يوم مئات الأضعاف، في حين كانت جامدة قبل سنوات قليلة.
 
فالفصول الافتراضية والمنهج الإلكتروني والمدرسة الافتراضية أيضًا تعطي مؤشرات لتحقق المستقبل في حال أهمل المعلمون وقادة التعليم دورهم الأساس في بقاء دور المعلم رئيسًا لبناء العقول، وأن يؤسس للمتعلم أسس الحياة الكريمة التي يبني بها عقله ومفاهيمه الخاصة ومهاراته التي يعيش بسببها، والإشراف على تعلُّم الطالب، وحصوله على المعلومة بنفسه وممارستها بشكل صحيح، وتنقيتها وتوجيهها توجيهًا سليمًا، ويعمل على ما يمنحه المنهج الدراسي من نوافذ يخرج منها بالطالب إلى مجال أرحب، كتعليم مهارات الفطنة والذكاء المتعدد والتفكير الناقد والإبداع المنضبط والتعايش الفطري مع الإنسان أيًّا كان جنسه ولغته وعاداته، وتكون بأسلوب منافس، وبوسائل حديثة جاذبة.
 
كما أن مسؤولية المعلم في بلادنا عظيمة في تهيئة الطالبـ/ ـة للمواطنة الصالحة، والاتجاه بهم إلى حياة كريمة آمنة، ينطلقون منها في عام 2030 بإذن الله.
 
أخيرًا، إما أن نسبق أو نلحق الجديد، أو أن نبقى من التقليدي القديم.