إن مرحلة المراهقة من أخطر المراحل في حياة الشباب والفتيات لما فيها من التغير وشدة الانفعالات واكتمال تكوين الشخصية وغير ذلك من التحولات.
والمراهق في هذه المرحلة يكتنفه ويحوط به سلوكيات مضطربة ومتنافرة من حب الفضول وفوران الشهوة، واثبات الذات، والأنانية المفرطة واللامسؤولية، ويختلف ذلك من مراهق لآخر حسب قوة شخصيته وتأثره وكل من عاشر المراهق أو تعامل معه أدرك تلكم التغيرات بكل سهولة.
وينضم إلى التغير الذاتي من قبل المراهق وجود البيئة الخاصة والعامة من المدرسة والحي ومحيط الأسرة، فلها تأثير بالغ في اهتمامات المراهق وميوله وتوجيه سلوكه ونزعه للخير أو للشر.
وهناك عنصر خطير له دور بارز في انحراف الشاب والفتاة وهو الفراغ، وعدم وجود ما يشغل المراهق فيما ينفعه قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" رواه البخاري.
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة.
ويغلب على المراهق في هذه المرحلة الإندفاع نحو الشهوات وحب الدنيا، والإنشغال باللهو الباطل، وقلّ ما يوجد مراهق ليس فيه هذا السلوك ولذلك يحب الله من الشاب النسك وترك الصبوة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة" رواه أحمد. وورد أن الشاب المقبل على الطاعة له ثواب عظيم كما في الحديث: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم شاب نشأ في عبادة الله" متفق عليه. وقد لوحظ أن كثيرا ممن تورطوا في ادمان المخدرات والجرائم الجنائية والعلاقات المحرمة أعمارهم ما بين سن الثامنة عشرة والأربع وعشرين سنة وهذا ما يؤكد خطورة هذه المرحلة ووجوب اهتمام المسؤولين والمربين بها.
والمتأمل في كثير من حالات الانحراف وقصص الضياع يجد بينها قاسماً مشتركا له دور كبير في انحراف الشاب والفتاة هو غياب الرقيب ولي الأمر عن متابعة المراهق وتوجيهه، وتوظيف طاقته فيما ينفع دينه ودنياه، وعزله وحمايته عن وسائل الشر وجنود الشيطان
وغياب ولى الأمر له صورتان:
1/ غياب حسيً، كأن ينشأ المراهق في كنف أم أرملة توفى زوجها، أو أم مطلقة انفصل عنها زوجها، أو ينشأ فاقد الأبوين يتيماً.
2/ غياب معنوي، وذلك أن الأب موجود ببدنه معهم ولكنه قد رفع يده بالكلية عن متابعة أولاده، ولم يلتفت إلى هذا الأمر ووكله إلى الأم، فهو كثير الأسفار لا يستقر في بلده أو كثير الارتباطات الاجتماعية، والخروج من المنزل يقضي وقته في الإستراحات والرحلات البرية ونحو ذلك، أو قد فتن بجمع المال وكسبه وهذا من أعظم البلاء الذي يصاب به العبد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت" رواه أحمد وأبو داود.
ويجب أن يعلم أن الأم غالبا لا تتمكن من متابعة المراهق وتوجيهه لطبيعتها من غلبة الحنان والعاطفة عليها وسهولة إقناعها وعدم إدراكها للأمور. فهذه الوظيفة تتطلب الحزم والقوة أحيانا والحكمة والقدرة على اتخاذ القرار وملكة الإقناع وغيرها من الصفات القيادية التي يتمتع بها الرجل، مع التنويه أن قليلا من الأمهات حباهن الله تلكم الصفات وكان لهن دور عظيم في تربية أولادهن عند غياب الأب أو فقده كما هو مشاهد.
إن الأب عليه مسؤولية عظيمة في تربية المراهق وتوجيهه، وإن هذا السن يتطلب جهدا مضاعفا من المتابعة والصحبة والتوجيه والإرشاد والعقاب والثواب وغير ذلك من وسائل التربية، ولا يعذر الأب في ترك هذه المسؤولية المهمة مهما كانت الأسباب إلا في ظروف طارئة ضرورية تقدر بقدرها.
إن مجرد وجود الأب في المنزل وشعور الابن بالاهتمام يغير كثيرا في سلوكه إلى الأفضل، ويجعله يفكر دائما قبل الإقدام على أي عمل ويجعله أيضا يحسن اختيار الأصدقاء؛ لأنه يدرك أن جميع تصرفاته مكشوفة لولي أمره لا يخفى منها أي شيء. إن حضور الأب في حياة المراهق يجعله يشعر بقرب أبيه وسهولة الوصول إليه يرجع إليه في كل أمر أشكل عليه ويطلب مساعدته في كل عائق يعترض طريقه.
إن المراهق له اهتمامات خاصة وتطلعات، ويواجه أحيانا ضغوطا ومشاكل في محيط المدرسة والحي والأسرة يحتاج من الأب مراعاة ذلك وحينما يفقد المراهق أباه يضطر إلى الرجوع إلى غيره من أصدقاء السوء أعداء الفضيلة الذين يستغلون حاجته وضعفه.
ومن المهم أن نعلم أن انحراف المراهق في هذه المرحلة من أسهل الأمور، فهي ليست عملية معقدة تتبعها خطوات كثيرة وإنما هي اندفاع آني في لحظة شيطانية تحت تأثير الأشرار وغياب الرقيب ثم سقوط في هاوية الرذيلة.
أيها الأب الكريم إن أبناءك هم أغلى شيء في الوجود وأعز ما لديك فلا تفرط فيهم لمجرد متعة عابرة أو دنيا فانية، فهم ذخرك عز لك في الدنيا وشرف لك في الآخرة فاشكر الله على هذه النعمة العظيمة قال الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا"، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته" متفق عليه.