ماهو السن الأمثل لبدء تعليم الطفل؟
هناك مدرستان، الأولى تقول أن السن الواجب معه البدء بتعليم الطفل أكاديمياً هو السادسة أو السابعة، لأن البدء قبل ذلك قد يؤدي لتسبب الضرر العقلي والعاطفي للطفل، هذه النظرية متبّعة في معظم دول العالم.
المدرسة الثانية تقول ان الفرصة المناسبة لتعليم الطفل و توجيه اهتماماته وطاقته تبدأ منذ ولادته و تنتهي (أو تقل فرصتها) بسن السادسة أو السابعة. يعني ذلك أنك إن لم تعلم طفلك الاهتمام بشيء ما قبل سن سبع سنوات، فلا تتوقع أن يبدي الطفل أي اهتمام نحو ذلك الشيء لاحقاً، إلا إذا أجبرته على ذلك، و هذا ما قد يسبب الضرر العقلي والعاطفي له، حسب المدرسة الثانية.
باستور وايت Pastor Witte كان أول من تحدث بالنظرية الثانية عام 1800 بعد نقاش خاضه مع مجموعة من الأساتذة في قريته في ألمانيا، كانت فكرته تتعارض مع جميع طرق التربية السائدة في ذلك الوقت، وكونه لم يكن عالماً أو باحثاً فلم يلق له أحد آذان صاغية. طريقته الوحيدة لاثبات وجة نظره كانت التجربة.
بعد أن رزق بطفله كارل وايت Karl Witte، قرر باستور أن يبدأ بتطوير نظام تعليمي منزلي مكثف يعتمد على إثارة الفضول و الاهتمام لطفله منذ سنته الأولى، كانت غايته في ذلك أن يثبت لأصدقائه أن التعليم المبكر يمكن أن يزيد من قدرات الطفل و يساعد الطفل على تحقيق نتائج أسرع و أفضل عندما يبدأ تعليمه المدرسي النظامي.
مع الأيام تبين أن باستور قد ذهب بعيداً في البرنامج، ففي سن الخامسة كان كارل يقرأ و يكتب لغته الأم بدون أخطاء، وفي التاسعة كان يتحدث الفرنسية، الإيطالية، اللاتينية، اليونانية. في سن الثالثة عشر حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة Giessen في ألمانيا.
كنتيجة لذلك، دخل كارل موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأصغر حاصل على شهادة دكتوراه، مازال هذا الرقم باسمه منذ أكثر من مئة عام.
بعد هذه النتيجة المذهلة طُلب من الأب أن يكتب كتاباً يروي فيه قصة تربتيه و تعليمه لابنه، وبالفعل تم كتابة الكتاب، و بسبب الظروف التي مرت بها ألمانيا لاحقاً فقد ظل الكتاب حبيساً في ألمانيا إلى أن قامت مؤسسة متخصصة بترجمة المخطوطات القديمة بترجمة النسخة الوحيدة المتبقية منه في جامعة هارفرد إلى اللغة الانكليزية، الكتاب اسمه The Education of Karl Witte.
وهنا يطرح السؤال التقليدي ، هل كان ذلك الانجاز الخارق سببه النظام الصارم الذي قام به الأب، أو سببه جينات خاصة تميز بها الطفل مثله كمثل الكثير من العباقرة الذين بدؤوا إبداعاتهم في سن مبكرة؟
بغض النظر عن إدعاءات باستور في كتابه و إصراره على أن ولده لم يكن يمللك مواصفات خاصة أو خارقة فقد أراد أربعة علماء أمريكيين أن يختبروا إدعاءات الأب. الطريقة الوحيدة لإثبات صحة الطريقة أو فشلها هو تجريبها على أطفال..
لذلك قرر العلماء الأربعة تجريب الطريقة على أطفالهم ( وهنا يمكن أن يكون استخدام كلمة تجربة غير دقيق، لأن التجربة تحتمل النجاح و تحتمل الفشل، ماقام به العلماء الأهل لم يكن تجربة بقدر ماكان تطبيق ما كانوا يؤمنون بصحته و صحة نتائجه على أطفالهم)، وكانت النتائج كما يلي..
1- العالم الأول هو Leo Wiener الأستاذ في جامعة هارفرد، استطاع ابنه قيد الدراسة دخول الجامعة في سن العاشرة، و تخرج في الرابعة عشرة، و حصل على شهادة الدكتوراه في الثامنة عشرة.
2- العالم الثاني هو Boris Sides عام النفس المشهور في الولايات المتحدة، حصل ابنه على قبول في المدرسة الثانوية في الثامنة، وبعدها أصبح طالباً في جامعة هارفرد، قسم الرياضيات.
3- العالم الثالث AA Berle عالم أديان في جامعة بوسطن، حصلت ابنته على قبول جامعي في سن الخامسة عشرة، و شقيقها حصل على قبول في هارفرد في الثالثة عشر بعد أن اجتاز امتحانات القبول بدون أي خطأ.
4- الشخص الرابع السيدة B Stoner ، مربية منزل، عملت تحت إشراف العلماء الثلاث، عندما أصبحت ابنتها في السادسة كانت تكتب في عمود الشعر الخاص بإحدى الصحف المحلية في ولاية إندايانا الأمريكية، في السابعة نشرت روايتها الخاصة، في الحادية عشرة كانت تتقن الكتابة بعد لغات غير الانكليزية.
هل لازلت تشعر أن القصص السابقة من وحي الخيال؟ أو مصادف ؟ أو جينات عبقرية نادرة ؟ حسناً تابع معي من فضلك..
منذ فترة نشرت مجلة Business Insider المشهورة قائمة بأذكى أصغر أطفال في التاريخ، وذلك اعتماداً على دمج معدل قياس الذكاء لكل طفل IQ مع العمر.
القائمة تتنوع بين أطفال تحدثوا عشر لغات في سن الثامنة، و بين أطفال ألفوا معزوفات موسيقية كاملة في السابعة، و بين أطفال أصبحوا أطباء جراحين في التاسعة.
ضمن القائمة أسماء معروفة مثل بيكاسو و موزارت، بعضهم تم ترشيحه لجائزة نوبل. معظم الأطفال الذين ذكرتهم في الفقرة السابقة ضمن هذه القائمة. أصغر طفل في القائمة هي فتاة في الثالثة معدل ذكاؤها 140، وهو أعلى بأربعين نقطة من وسطي معدل ذكاء الأمريكيين، و أعلى من معدل ذكاء بيل كلينتون
قضيت عدة أيام أدرس تلك القائمة، بإمكانك أن تثق بي أو أن تجري البحث بنفسك، معظم الأطفال في القائمة لم يولدوا بصفات وراثية أو جينات خارقة، لكل واحد منهم قصة يرويها كيف أن والده أو والدته كانا السبب في الانجاز الخارق الذي حققه في عمر مبكر، معظمهم اشتركوا بنفس الإجابة عندما سئلوا “متى تتذكر أنك بدأت عملية التعليم؟ ، الإجابة كانت “لا أذكر”
سأورد فيما يلي ثلاثة أمثلة لنماذج مختلفة لأطفال خارقين من القائمة المذكورة، بعدها سنسأل السؤال التقليدي الثاني الذي غالباً ما يتم طرحه عند الحديث عن هذا الموضوع .
Kim Ung-Yong كيم أنغيونغ
ولد عام 1962 في كوريا الجنوبية، بعد أربعة أشهر بدأ الكلام، و في عمر السنتين كان يتحدث الكورية، اليابانية، الألمانية و الانكليزية. في عمر ثلاث سنوات بدأ يحضر دروس الفيزياء في جامعة Hanyang.
و في عمر عشر سنوات دعته NASA للقدوم والدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية على نفقتها. في عمر السادسة عشرة قرر أن يترك العمل في NASA والعودة إلى كوريا و نيل شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية، و مايزال يعيش هناك. كيم مسجل في موسوعة غينيس كأذكى شخص في العالم (IQ=210)، و نشر حتى الآن أكثر من تسعين بحث في مجلات علمية مختلفة.
صوفيا يوسف Sofia Yusuf
في عمر الثالثة عشرة حصلت الفتاة الماليزية على قبول في جامعة Oxford لدراسة الرياضيات. بعد عدة أشهر اختفت من الجامعة ثم عثرت عليها إحدى صديقاتها مصادفةُ و هي تعمل كنادلة في إحدى المقاهي المحلية..
حيث ادعت أنها هربت من الجامعة بسبب الضغط الكبير الذي يمارسه والداها عليها من أجل أن تتفوق في دراستها. في عام 2003 تزوجت، و بعد عام انفضلت عن زوجها، في عام 2007 ألقي القبض عليها بتهمة التحرش الجنسي بفتاتين مراهقتين. تعمل اللآن في وظيفة عادية في مؤسسة تعنى بالشؤون الاجتماعية.
مايكل كيرني Michael Kearny
في عمر عشر سنوات حصل على شهادته الجامعية الأولى من جامعة South Alabama، في عمر السابعة عشر حصل على شهادته الجامعية الثانية.
في عمر الحادية والعشرين كان قد حصل على أربعة شهادات جامعية في اختصاصات مختلفة، بعد ذلك بعام حصل على شهادة الدكتوراه في الكيمياء. مايكل مسجل في موسوعة غينيس كونه أصغر شخص يحصل على شهادة جامعية. في عام 2006 ربح الجائزة الأولى ( مليون دولار) في مسابقة Gold Rush ، وفي عام 2008 حصل على جائزة 250 ألف دولار في مسابقة من سيربح المليون الشهيرة.
والآن يطرح السؤال التقليدي الثاني : هل يؤثر النظام التعليمي الصارم الذي يمارسه الأهل على الطفل على تطوره الاجتماعي والعاطفي لاحقاً؟
لا يوجد جواب واضح عن هذا السؤال. بالعودة إلى باستور وايت فهو يدعي في كتابه أنه على الرغم من كون ابنه متوفق علمياً إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يعيش حياة متوازنة و سعيدة لاحقاً. و يدعي أيضاً ان تطور الطفل العقلي لا يسبب له التفوق العلمي وحسب، بل أيضاً يقيه من التعرض للأمراض الجسدية ، فابنه لم يتعرض لأي مرض عضال أثناء طفولته ولا لاحقاً في شبابه.
طبعاً يمكن نقض هذا الإدعاء بسهولة عند قراءة قصة صوفيا يوسف التي ادعت أن سبب هروبها من الجامعة وعملها نادلة كان ضغط والديها من أجل انهاء تعليمها بتفوق و حصولها على منحة لإتمام الدكتوراه. يقول محللون إن نفس السبب هو الملام على هروب صوفيا من حياتها الزوجية لاحقاً، و كذلك في شذوذها الجنسي.
وبالعودة لباستور فهو يدعي أن النظام التعليمي في الطفولة المبكرة يجب أن يحرص على تحقيق التوازن بين متطلبات الطفل العاطفية و بين متطلباته التعليمية، و يقول إن سبب نجاحه مع ابنه كان بفضل نمط الحياة المنزلية التي كانت جميع تفاصيلها هي جزء من العملية التعلمية للطفل.
و هذا النظام -حسب باستور- أثبت نجاحاً مقارنةً مع النظام التقليدي كالذي يطلب من الطفل الجلوس في غرفة مثلاً ريثما ينهي قراءة كتاب أو انهاء واجب معين.
تبقى عملية التعامل مع الطفل من الأشياء الدقيقة التي تتطلب حذراً و حزماً، ومن المعروف أن الحزم الشديد يؤدي أحياناً لنتائج معاكسة.
ملخص و رأي شخصي
هل لازلت تشتكي من سوء نظام التعليم في بلدك؟ هل لازلت تلقي باللوم على جامعاتنا أو مدارسنا؟ بالطبع نظام التعليم في معظم بلدان العالم الثالث وبعض الدول المتقدمة يعاني من مشاكل..
ولكن جميع الأمثلة والتجارب التي سردتها أعلاه كان هدفها إثبات أن مايقوم الأهل بتعليمه لأطفالهم هو الأساس و هو المكمّل لتعليم المدرسة ( في حالة باستور وايت كان يعتقد أنه لا فائدة أساساً من ذهاب الطفل للمدرسة ).
ربما لا نريد لأطفالنا أن يكونوا خارقين، ولكن على الأقل دعونا نتفق على ضرورة تزويد أطفالنا بالحد الأدنى من التعليم المنزلي و ألا نعتمد بشكل كلي على المدرسة أو الشارع أو الانترنت.
********