بركات وهاب
الخصائص الأساسية لما يقوم به طفل قبل المدرسة من اتصالات بغيره من الأطفال تكون الى حد كبير انعكاسا لما تعلمه فى بيته , أى أن أنماط السلوك التى تكررت أثباتها فى البيت ( سواء أكانت أقداما أو أنطلاقا ام تهيبا وأنسحابا , سيطرة أم خنوعا , روحا وديا أم عدوانية ) , تكتسب صعودا فى معراج الاستجابات عند الطفل ولذلك يزداد احتمال استخدامها فى مواقف اجتماعية أخرى ويتبين الطفل خلال أتصالته فى المواقف الاجتماعية الجديدة مثل مدرسة الحضانة أن كثيرا من الاستجابات التى كان والداة يثيبانها تعود علية بالثواب من الآخرين كذلك . على حين أن هناك استجابات أخرى يثيبها الوالدان ولكنها غير مقبولة عند من عاداهم , بل وقد تثير العقاب من لدنى المعلمين أو الأطفال الآخرين , وفتميل مثل هذه الاستجابات اى التناقص يحل محلها استجابات تثيبها جماعة الأقران . وقد بنيت دراسة قامت بها بارت M.B.Bartenحدوث ازدياد مطرد فى التوجه الاجتماعي social orientation خلال فترة ما قبل المدرسة وكانت الباحثة فى هذه الدراسة تسجل ملاحظاتها عن 42 طفلا فى دور الحضانة تتراوح أعمارهم مابين سنه 2وسن 5 وكانت تقوم بتصنيف المشاركة الاجتماعية فى كل عينة وتقدر لة الدرجات على أساس نواحى ستة هى : سلوك غير المنشغل (-3) لعب منفرد (-2) سلوك المتفرج يرقب ولكن من غير ان ينضم الى اللعب (-1) , لعب متوازى اى يلعب الى جوار الأطفال الآخرين الذين يستخدمون نفس أدوات اللعب بدلا من أن يلعب معهم (+1) لعب مترابط ( يلعب مع الآخرين ويشاطرهم أدوات اللعب ( +2) لعب تعاونى او منظم ( +3) ثم كانت الباحثة تقوم بحساب درجة مركبة للمشاركة الاجتماعية لكل طفل وذلك عن طريق جمع الدرجات التى حصل عليها خلال فترات الملاحظة كلها .
وتبين أن قلة فقط من هؤلاء الأطفال كان يلاحظ عليهم السلوك غير المشغل . وأن اللعب المتوازى وهو أ:ثر صور السلوك الاجتماعى بدائية ، كان يميز الأطفال الصغار لا الكبار . وأن الأطفال الكبار كانوا يشاركون بتكرار أكبر فى اللعب المترابط أو التعاونى . وأن درجات المشاركة الاجتماعية المركبة ارتبطت ارتباطاً عالياً بالعمر الزمنى ( ر= 0.61 ) وهذا يبين أن كلما تقدم الطفل فى العمر ، أخذوا يقضون وقتاً أطول فى التفاعلات الاجتماعية من النوع المترابط أو التعاونى ، ووقتاً أقل بدون نشاط أو وجدهم أو فى مجرد الملاحظة والتطلع .
وبازدياد توجه الأطفال نحو الاجتماعية يزداد ميلهم إلى الارتباط الوثيق بعدد قليل من الأتراب . وقد بنيت ‘حدى الدراسات أن أطفال ما قبل المدرسة ينشئون الصداقات مع أفراد جليهم أكثر مما ينشئونها مع أفراد الجنس الآخر . وأن التشابه فى العمر الزمنى والاجتماعية والنشاط البدنى يؤثر فى الصداقة بين الأولاد ، وأن البنات اللاتى صرن صديقات كن متشابهات فى المشاركة الاجتماعية والعمر الزمنى والاجتماعية والنشاط البدنى ، وأن التشابه فى طول القامة ، والانبساط ، وجاذبية الشخصية ، والذكاء ، وكثرة الضحك ، لم يكن لها تأثير فى صداقات الأولاد والبنات .
2/ تدل ملاحظة الأطفال فى هذه المرحلة على أن لمعظم الأطفال صديقاً أو صديقين ، ولكن هذه الصداقات قد تتغير بسرعة . ويميل الأطفال فى هذا السن إلى المرونة اجتماعياً . وهم مرنون وقادرون على اختياره أصدقائهم من نفس الجنس وأن وجدت صداقات بين الأطفال من الجنسين .
3/ تميل جماعات اللعب إلى أن تكون صغيرة وليست منظمة تنظيماً كبيراً ولذلك فإنها تتغير بسرعة .
ولا ينبغى أن يشغل التعلم إذا انتقل الأطفال من نشاط إلى أخر فمثل هذا السلوك سوى بالنسبة لهذه الجماعة العمرية على الرغم من أن هذا السلوك قد يثرك ويضايقك أحياناً ، ولابد أن تتوقف لتفكر فى مقدار الضبط والسيطرة التى تيد أن تمارسها مع تلاميذك ، وفى أى لحظة يكون الإصرار على المثابرة مطلباً غير طبيعى يتداخل مع السلوك البناء بل وقد يؤدى إلى السلوك الهدام ؟ والسؤال هو : فى أى لحظة يكون الإصرار على الهدوء وممارسة أنشطة جلوساً أمرا مسوغا ؟ ومتى ينبغى أن تصر على أن يستمر التلاميذ فى الأنشطة التى اختاروها بأنفسهم فترة معينة من الزمن ؟
4/ تشير الدراسات القائمة على ملاحظة أطفال ما قبل المدرسة إلى أن مواقف الإحباط فى مدارس الحضانة قد تؤدى إلى استجابات عدوانية . وإلى أن نوع العقاب العدوانى فى مدارس الحضانة قد يؤدى إلى كف العدوان الصريح . مثال : ذلك أن بيانات أحدى الدراسات أوضحت أن الصراع يزداد احتمال وقوعه إذا كان الحيز الخاص باللعب فى المدرسة محدوداً . وكان الأشراف قليلاً من جانب المدرسين . أى أن الأطفال فى حيز اللعب المحدود يزداد احتمال تدخل واحد منهم فى شئون الآخر ( وبالتالى إحباط أحدهم للآخر ) عنه فى الحيز الكبير الواسع ، ولذلك كان احتمال وقوع الاستجابات العدوانية أكبر فى أمثال هذه الحالات . كما أنه فى حالة قلة المدرسين المشرفين يقل احتمال منع هذه الاستجابات أو معاقبتها ، ولذلك يترتب على هذا أن يزداد وقوع الاستجابات العدوانية
وقد تبين من دراسة أخرى أن الأطفال يصدر عنهم استجابات عدوانية أقل واستجابات ودية ، كذلك فى مدرسة الحضانة التى يزداد فيها الضبط والتقليد ( حيث كانت تعاقب الاستجابات العدوانية فى أغلب الحالات ) . على حيث أن الأطفال الذين كانوا ينتمون إلى مدارس أكثر تسامحا وأقل تقييداً ، كانت تصدر عنهم نسبة أكثر من الاستجابات ، مما دعا الباحثين أصحاب هذه الدراسة إلى أن يستنتجوا أن – الفروق الفردية فى السلوك العدوانى تبدو مرتبطة لا بالفروق الأساسية فى الشخصية فحسب ، وإنما تكون مرتبطة كذلك بنوع البيئة الاجتماعية ... وأن هذه العوامل الفردية تتفاوت إلى حد يبلغ من كبره أن يصبح من العسير علينا فهم سلوك العدوان عند الأطفال بدون أن نفهم العوامل الفردية.
وقد لوحظ فى هذه المرحلة من النمو أن المشاجرات بين الأطفال كثيرة ، ولكنها عادة تستمر لفترة وجيزة وسرعان ما تنسى . وحين يتجمع ثلاثون طفلاً معا لأول مرة فى بيئة محدودة بها عدد محدود من الأشياء التى يشتركون فيها ، فإن المتوقع أن تنشأ الخلافات حول الملكية والحقوق والأولوية ... إلخ ، ولا يمكن تجنب حدوث هذا . ومن المفضل حين يكون ذلك فى الأمكان أن نتيح للأطفال أن يسووا خلافتهم بأنفسهم وأن تتدخل فقط حيت تخرج المشاجرة عن حدودها. وإذا كان عليك أن تتدخل ، فقد تحاول أن تجذب إنتباه المتخاصمين إلى أشياء أو أنشطة أخرى بدلاً من أن تعمل كحكم بينهما تجبرهما على التوقف والتصالح . والمشاحنات لا تتضمن العدوان البدنى عادة ، ومع ذلك فأنها تنهك الآباء ومعلمات مدراس الحضانة ، وتقلقهم ولكنها لحسن الحظ قلما تكون خطيرة فى هذا السن وأن كثرت وتكررت .
ولقد تبين من تحليل مائتى مشاحنة قامت بين أربعين طفلاً ممن ينتمون إلى فترة ما قبل المدرسة ، أن الأولاد يتجادلون أكثر من البنات وأن المشاحنات التى تنشب بين الأطفال الأكبر سنا تكون أقل عدداً ولكن أطول دواما مما يحدث بين الأطفال الصغار. وأن الخلافات تحدث بصفة أكثر بين الأطفال الذين يتفقون فى الجنس ولكن يختلفون فى العمر وأن الأطفال الأصغر سناً ولو أنهم يشتركون فى مشاحنات أكثر ‘ لا أنهم يتخذون أدوارا أقل عدوانية ولا يبدون إلا مقاومة قليلة فى مواجهة السلوك الأكثر عدوانية الذى يصدر عن الأطفال الكبار .
وأما الخلافات اللفظية بين الأطفال، فكانت مثل سائر خلافاتهم قصيرة فى العادة تنتهى بسرعة . كما أن الابتهاج يعقب المشاحنات بنسبة أكبر مما يعقبها الاستياء والسخط . فالظاهر إذن أن انفعالات الأطفال فى هذا السن تستثار بسرعة وتزول بسرعة . وأن المشاحنات تزود الأطفال بفرص لتعلم أشياء جديدة فقد أوصى الباحث الآباء بأن يتركوا أطفالهم ينهون شجارهم فى الأحوال العادية.
على أن الطفل لابد من أن يجرب كلا من الاستجابات المرغوبة الودية القائمة على التعاطف ، وغير المرغوبة ( العدوانية الخلافية ) خلال عملية التطبيع الإجتماعى . والسلوك العدوانى يمكن أن يعد نتيجة سوية لأتساع احتكاكات الطفل الاجتماعية . صحيح أن الآباء والمعلمين من حقهم أن يرتاعوا من العدوان والمشاحنات التى تزيد عن الحد المعتاد فى تكرارها أو شدتها . ولكن يبدو انه لابد من أن يصحب عملية " التجريب " الاجتماعية قدر معين من العدوان.
5/ يوجه معظم السلوك اليومى عند الطفل لأشباع حاجاته الأولية (النوم والأكل ) أو الحاجات المتعلمة ( التماس المعونة لحل المشكلات) أو إلى الأستجابة للأحباط والأعتداء أو إلى تنفيذ مطالب التطبيع الاجتماعى التى يفرضها الكبار عليه . وإلى جانب ذلك نجد أن الطفل ينفق جانبا من يومه فى استجابات لمواقف حرة لا يكون ملزما فيها بسلوك معقول ، وهذا السلوك غير الواقعى يسمى عادة باللعب وله ثلاثة وظائف رئيسية :
أ – أنه وسيلة لتصريف الطاقة ، فالحياة العصرية تضطر الطفل إلى أن يكيف نشاطه الحركى فترة طويلة ( كأن يجلس عاقلاً ويمنع نفسه من الجرى غير الموجه ... إلخ ) وهذا التقييد يعرضه للأحباط ومن هنا فإنه يحتاج إلى فترات نشاط عنيفة ممتعة ومشبعة .
ب- اللعب يفيد فى التدريب على المهارات الجديدة ، فالولد الصغير يلعب بابلى والبنت الصغيرة تخيط فوطة لعروستها والقيام بهذا السلوك يؤدى إلى اكتساب مهارات جديدة ويشبع حاجة الطفل إلى الكفاءة .
جـ - الرغبة فى التدريب على أنواع السلوك التى تصدر عن دور نموذجى ( حقيقى أو متخيل ) فقد تلعب البنت الصغيرة دور ممرضة أو دور أم ، ويلعب الطفل دور عسكرى أو طيار . وكثير من ألعب الأطفال يتضمن أدوراً راشدة حياتية تتيح للطفل أن يشترك اشتراكاً وهميا فى عالم الكبار ويشعر لفترات وجيزه بمشاعرهم .
وعندما يبلغ معظم الأطفال الخامسة من أعمارهم يصبحون على وعى بكثير من أنواع السلوك المتناسب مع جنسهم ، ولو عرضت عليهم سلسلة من الصور التى توضح أشياء أو أوجه نشاط تتفق مع اللعب الذى يتناسب مع البنين والبنات ( من قبيل العرائس وأدوات الطبخ ) لو حدث أن الغالبية العظمى من الأطفال فى سن الثالثة والرابعة والخامسة يصرحون بأنهم يفضلون أشياء وأوجه النشاط التى تتناسب مع جنسهم .
ثم أن تفضيل أوجه النشاط التى تناسب جنس الفرد يزداد خلال سنوات ما قبل المدرسة . من ذلك مثلاً أن أطفال الرابعة يظهرون قدراً أكبر من التفضيل للأشياء وأوجه النشاط التى تتناسب مع جنسهم مما يفعل أطفال الثالثة . أضف إلى ذلك أن الأولاد والبنات فى أعمار من 4سنوات و9 شهور إلى 5 سنوات و9شهور يصرحون فى المقالات الفردية بأنهم يشعرون بأن آبائهم يفضلون لهم أن يصطنعوا أنواع السلوك المنمطة جنسياً .
ويستمتع الأطفال فى هذه المرحلة بتمثيل بعض القصص التى يرونها فى برامج التليفزيون أو يستمدونها من خبراتهم . وعليك كمعلم أن تساعد الأطفال على أن يلعبوا ويمثلوا الأدوار المرغوب فيها . وعليك أن تسجل فى كراسة التحضير بعض أنماط المسرحيات أو التمثليات التى تريد أن تشجع الأطفال على أداء دورها . وتلك التى لا ينبغى أن يمثلوها . ماذا يكون شعورك بالنسبة لألعاب الحرب على سبيل المثال ، وعسكر حرامية ؟ ذلك أن البعض يرى أن الألعاب التى تمثل العدوان مرغوب فيها لأنها تساعد الأطفال على التنفيس عن توتارتهم. بينما يرى الآخرون أن هذه الألعاب تعرض الأطفال للعنف وتجعلهم لا يشاركون وجدانيا أولئك الذين يتعرضون للمعاناة والقسوة .
6/ يبدأ الوعى بأدوار الجنس – " التنميط الجنسي " : حين يلتحق الأطفال برياض الأطفال ، ذلك أن معظمهم يتوافر لديه فهم أولى للسلوك الذى يعتبر مناسبا للأولاد وللبنات فى مجتمعهم وحتى وقت قريب سلمنا بأن هذا التمييز بين متطلبات دور الرجل ومتطلبات دور المرأة هو المرغوب فيه وأن ما عداه مرغوب عنه وأن علينا أن نشجع التنميط الجنسى ولكن بعض المفكرين يضعون هذا التسليم موضع التساؤل . ونرى فلورانس هو Florence Howe (1971) بعد تحليلها للمواد التعليمية والأنشطة المستخدمة فى المدارس الإبتدائية أن الأولاد يصورون على أنهم نشطون ، ومغامرون ، وواثقون من أنفسهم وطموحون، بينما يصور البنات فى الأساس كربات بيوت . وتذهب إلى أنه ابتداء من رياض الأطفال تشكل البنات ليتقبلن عمل ربة البيت كدورهن الوحيد وبنهاية المدرسة الابتدائية يكون هذا التعميم الجامد قوياً جدا ومسيطراً ويصعب تنحيه جانباً . ونتيجة لذلك ، تعد البنات لدور ربة البيت التزاما بالواجب
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق