عكف العلماء منذ بداية القرن العشرين على الاهتمام بعملية قياس ذكاء الأطفال والشباب وذلك بغرض التعرف على كمية ومقدار النمو العقلي للطفل، وبحث الوسائل الكفيلة بتنميتها مرة أخرى، حتى يتم قياس الذكاء مرة أخرى للنظر في: هل نجحت عملية تنمية الذكاء أم لا؟ وقياس الذكاء ما هو إلا َعملية تحويل المعطيات المختلفة للنمو العقلي والذكاء إلى أرقام وكميات، ومعرفة مدى تناسب تلك الأرقام مع عمر الطفل، وللحصول على عمر الطفل الحقيقي، وللحصول على مستوى الذكاء عند الطفل ومقارنته بالعمر ذاته لدى الأطفال الآخرين في نفس المستوى تقريبًا. فكرة قياس الذكاء تقوم على فكرة تراكم المعلومات، لأن حساب العمر العقلي يقوم على جميع التجارب التي نجح فيها الفرد، ومع ذلك فإنه يتعين متابعة امتداد احتمالات النجاح والإخفاق في مراحل مختلفة من السن، لأن بعض النتائج قد يجعلها الفرد في مراحل متقدمة أو متأخرة لعدة سنوات.
والذكاء سمة لا يمكن قياسها قياسا مباشرا وإنما يعطى الفرد عملا معينا لإجرائه ويتطلب هذا العمل ممارسة بعض الوظائف العقلية العليا ثم تسجيل النتائج وتقارن بعمل غيره من المتحدين معه في العمر الزمني والموجودين تحت الشروط والظروف، وإنه لمن المسلمات أن عينة سلوك الفرد في المواقف الاختبارية تدل على حقيقة سلوكه فيما يقيسه الاختبار.
ومقياس الذكاء ليس مقياسا جامدا بل هو عبارة عن عدة اختبارات شفوية وتحريرية معينة تتضمن مجموعة من المعطيات التي تدل على استخدام العقل والتفكير في الرد عليها وذلك بطريقة منتظمة مع الأخذ في الاعتبار العمر الحقيقي للفرد. يقاس الذكاء عادة باختبارات معدة خصيصاً لهذا الغرض، ومقياس الذكاء هو اختبار مقنن يتألف من عدة اختبارات (أي أسئلة)، وقد يصل إلى مائة سؤال، وهي متدرجة الترتيب من الأسهل إلى الأصعب ومن البسيط إلى المعقد. وتتعدد هذه الاختبارات وتتنوع حسب طرق استخدامها، فهناك اختبارات فردية تطبق على شخص واحد فقط وتستلزم مهارات خاصة ووقتاً طويلاً نسبياً، وهناك اختبارات جماعية تطبق على مجموعة من الأشخاص في وقت واحد ولا تستلزم بالضرورة مهارات خاصة أو وقتاً طويلاً، وتتنوع الاختبارات أيضاً طبقا للأشخاص موضوع الاهتمام. فهناك اختبارات خاصة لقياس ذكاء الأطفال في الأعمار المختلفة، واختبارات لقياس ذكاء المرهقين وثالثة لقياس ذكاء الراشدين. وهذه الاختبارات تساعدنا على أن نضع الشخص المناسب في الوقت المناسب، وعلى ذلك فإن نتائج اختبارات الذكاء تستخدم كوسيلة تساعد المختصين الذكاء، وهي بذلك تلعب دوراً تشخيصياً هاماً ودوراً تنبؤياعلى فهم كل تلميذ بالحدود التي تقيسه وتدل عليه اختبارات للقدرات العقلية عند الأفراد.
مقياس للذكاء
ابتكر الفريد بينيه عالم النفس الفرنسي الشهير أول مقياس عملي للذكاء حيث قام وزملاؤه بقياس المهارات الحسية والحركية للأفراد إلا أن هذه المقاييس لا تعطي المعلومات المرغوبة. وبالتالي بدءوا بتقويم الوظائف المعرفية والتي تمثل جوانب: التخيل، طول ونوعية الانتباه، الذاكرة، والأحكام الجمالية والخلقية، والتفكير المنطقي، والقدرة على فهم الجملة، وقام بينيه بجمع بعض المهام العقلية لتقدير تلك القدرات.
وصف المقياس
يتكوّن الاختبار من 30 فقرة متدرجة في الصعوبة، وكانت الطريقة التي اتبعها "بيني" هي أن يجمع إجابات أطفال من مختلف الأعمار، عن أسئلة عديدة تقيس نواحي مختلفة من النشاط العقلي كما تظهر في حياتنا اليومية والتي ترتبط ارتباطا قويا بمفهومة عن الذكاء، ثم يدرس بعد ذلك نسبة الأطفال الذين يجيبون عن كل سؤال من هذه الأسئلة إجابة صحيحة في كل عمر زمني ويعتبر السؤال ممثلا لسن معينة إذا أجاب عنه متوسط (66% - 75 %) عدد أفراد هذه السن، ولحساب العمر العقلي للطفل فإنه يعطى الاختبار مبتدئاً بالعناصر الأولى (السهلة) ويترك ليستمر في الإجابة حتى يصل إلى سن معينة يجيب عن جميع عناصرها إجابة صحيحة، ويسمى هذا العمر بالعمر القاعدي. فإذا أخطأنا في أسئلة الأعمار التالية فإن عمره العقلي يكون مساويا للعمر الذي أجاب عن جميع عناصره (العمر القاعدي)، أما إذا أجاب عن عدد من عناصر السن التالية ولم يجب عن البعض الىخر، فإن عمره العقلي يساوي في هذه الحالة العمر القاعدي مضافا إليه الكسر الذي يمثل عدد العناصر التي أجاب عنها من بين مجموع العناصر التي تمثل هذه السن... وهكذا.
ويهدف هذا المقياس إلى قياس القدرة العقلية العامة للمفحوص، ومن ثمّ تحديد موقعه على منحى التوزيع الطبيعي للقدرة العقلية، ويغطي الفئات العمرية من سن 2 وحتى سن 18 بواقع ستة اختبارات في كل فئة عمرية، ويقوم بتطبيقه أخصائي في علم النفس، ويعتبر هذا الاختبار من الاختبارات الفردية المقننة ويعطي بعد تطبيقه درجة تمثل العمر العقلي وأخرى تمثل نسبة الذكاء، وتستغرق عملية تطبيق المقياس من 30 إلى 90 دقيقة اعتماداً على متغيري العمر والقدرة العقلية للمفحوص أما تصحيحه فيستغرق 30-45 دقيقة. وأهم ما يميز المقياس توفر دلالات صدق وثبات ومعايير تبرر استخدامه كمقياس عام للقدرة العقلية (الذكاء)، كما أنه يقيس الخبرات والمواقف المأخوذة من بيئة الطفل العادية ويعتبر المقياس من أشهر اختبارات الذكاء الفردية والتي تغطي الفئات العمرية الدنيا إذ يصلح هذا المقاس للفئة العمرية سنتين، وأهم ما يوجه إليه من نقد أنه يقيس القدرة العقلية العامة ولا يقيس أبعاد متعددة في القدرة العقلية و يعطي مقياس ستانفورد بينيه للذكاء درجة واحدة تمثل الأداء على المقياس هي نسبة الذكاء وعلى ذلك فقد لا يناسب مقياس ستانفورد بينيه الأطفال غير العادين في قدرتهم العقلية كما يصعب تصنيف فقرات مقياس ستانفورد بينه وتحليلها عاملياً، ويعتبر الاختبار ذا طبيعة خاصة من حيث إجراءات تطبيقه وتصحيحه وتفسير نتائجه.
ووضع اختبار وكسلر لحاجة عملية هي التمييز بين فئات المرضى الذين كان يعالجهم وكسلر بمستشفى بلفيو بنيويورك ضعاف العقول منهم والمصابين بأمراض عصابية وذهانية إلى غير ذلك وجاء نتيجة لدراسات إكلينيكية عديدة شملت هذه الفئات، فضلا عن الحاجة إليه لقياس ذكاء الكبار فقد وضع أساسا لقياس الذكاء بين سن 10 إلى 60 سنة ثم وضع بعد ذلك اختبارا آخر على نسقه ليقيس ذكاء الأطفال الذين يقل سنهم عن 10 سنوات. وتعتبر مقاييس وكسلر لذكاء من مقاييس القدرة العقلية المعروفة في مجال التربية وعلم النفس، ولقد ظهرت هذه المقاييس نتيجة للانتقادات المتعددة التي وجهت إلى مقياس ستانفورد "بيني" للذكاء من حيث الأسس النظرية التي بنى عليها، ومن حيث دلالا ت صدقه وثباته وإجراءات تطبيقه وتصحيحه، وعلى ذلك ظهرت مقاييس وكسلر المعروفة للذكاء وهي: مقياس وكسلر لذكاء الأطفال ومقياس وكسلر لذكاء الكبار ومقياس وكسلر لذكاء الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة.
وصف المقياس
تعتبر مقاييس وكسلر للذكاء من المقاييس الفردية المقننة حيث يستغرق الوقت اللازم لتطبيقها من 50ـ75 دقيقة أما الوقت اللازم لتصميمها فيستغرق من30ـ40 دقيقة، ويتألف مقياس وكسلر لذكاء الكبار من قسمين رئيسين هما القسم اللفظي والقسم الادائي ولا يتضمن المقياس اختبارات بديلة حيث تعطى الاختبارات بالترتيب التالي: القسم اللفظي ويتضمن الاختبارات الفرعية الستة التالية: اختبار المعلومات، اختبار الاستيعاب، اختبار الحساب، اختبار المتشابهات، اختبار إعادة الأرقام، اختبار المفردات والقسم الأدائي: ويتضمن الاختبارات الفرعية الخمسة التالي: اختبار الترميز، اختبار تكمل الصور، اختبار تصميم المكعبات، اختبار ترتبي الصور، اختبار تجمع الأشياء. أما مقياس وكسلر لذكاء الأطفال من 326 فقرة موزعة على الاختبارات الفرعية المكونة لكل من القسم اللفظي والأدائي، يعطي هذا المقياس ثلاث نسب للذكاء: اللفظي، والعملي، الكلي دون استعمال العمر العقلي، ونحصل على درجة الذكاء اللفظي: بجمع الدرجات الموزونة للاختبارات الست اللفظية واستخراج نسبة الذكاء التي تقابل مجموعها، ونحصل على درجة الذكاء العملي بجمع الدرجات الموزنة للاختبارات الخمس العملية واستخراج نسبة الذكاء مجموعها، و مجموع الدرجات الموزونة للاختبارات الاحدى عشر في الجانب اللفظي والعملي تقابل درجة الذكاء العام.
مقاييس "مكارثي" للقدرة العقلية
يعتبر مقياس مكارثي للقدرة العقلية للأطفال من المقاييس المعروفة والتي ظهرت في السبعينات من هذا القرن، فقد ظهر هذا المقياس في عام 1972م من قبل دورثيا مكارثي وذلك بهدف قياس الذكاء العام لدى الأطفال، وخاصة لدى الأطفال الذين يحتمل أن يكونوا من فئة ذوي صعوبات التعلم. يتألف مقياس "مكارثي" للقدرة العقلية للأطفال من ستة مقاييس أساسية هي: المقياس اللفظي وعدد فقراته (5) فقرات، المقياس الأدائي الإدراكي وعدد (7) فقرات، المقياس الكمي وعدد فقراته (3) فقرات، المقياس الحركي وعدد فقراته (3) فقرات. مقياس التذكر وعدد فقراته (4) فقرات مكررة. المقياس المعرفي العام وعدد فقرات (15) فقرة مكررة.
وصف المقياس
تتألف مقاييس "مكارثي" للقدرة العقلية من ستة مقاييس أساسية، وتتضمن في مجموعها (18) اختبارا فرعياً حيث تقيس عدداً من مجالات القدرة العقلية العامة كالقدرة اللفظية والأدائية والعددية والحركية والقدرة على التذكر، والقدرة المعرفية العامة، ويصلح هذا المقياس للفئات العمرية ومن 2 - 5 و5 – 8 سنة، حيث يمكن الأخصائي في علم النفس أو التربية الخاصة من تطبيقه بشكل فردي، ويعطي المقياس بعد تطبيقه ثلاث درجات تمثل العمر العقلي والدرجة المعيارية والدرجة المئينية أما الوقت اللازم لتطبيقه فهو حوالي ساعة، أما الوقت اللازم لتصحيحه فهو (30) دقيقة. ويعتبر من المقاييس المصححة بطريقة قياس وتشخيص عدد من القدرات العقلية كالقدرة اللفظية، الأدائية، العددية، كما يعتبر من المقاييس الأساسية والفرعية المرتبة بطريقة تساعد على نشاط المفحوص وإثارة دافعيته وخاصة من حيث الترتيب وهو يصلح لقياس وتشخيص الأطفال الذين يشك أن لديهم صعوبات تعلم تتمثل في قياس مظاهر التآزر البصري حركي، الإدراك المعرفي، كما أنه من المقاييس التي توفرت فيها دلالات صدق وثبات ومعايير تبرر استخدامه مع الأطفال، ومن مظاهر ضعف المقياس، يعتبر المقياس من مقاييس القدرة العقلية العامة التي تتطلب عدداً من الكفايات المهنية لتطبيقه وتفسير نتائجه قد يساء استخدامه إن لم يكن أخصائي نفسي أو تربية خاصة. التي تتضمن عدداً من القدرات الفرعية كاللفظية، الأدائية، العددية لكنه لم يتضمن قياس السمات الشخصية والاجتماعية ولم يتضمن القدرة على التفكير المجرد التي توفرت فيها دلالات صدق وثبات ومعايير تبرر استخدامه لكنه بحاجة إلى مزيد من دراسات الصدق والثبات وخاصة مع فئات التربية الخاصة.
ويذكر "كوفمان" تدني نسبة الذكاء التي يحصل عليها الأطفال ذوي صعوبات التعلم على هذا المقياس عن أدائهم على مقياس وكسلر بحوالي 15 درجة ما يستدعي أن تعزز نتائج الأداء على هذا المقياس بمقاييس أخرى للقدرة العقلية. يصلح هذا المقياس للاطفال من سن 2 - 5 و5 - 8 ولكن لا يصلح للأطفال الذين هم فوق الثامنة.
ما الفرق بين الاسلوب المعرفى والقدره العقليه
ردحذف