يتشاجر الأطفال دائمًا فيما بينهم، وفي أوقات الخلافات يتعرّف الطفل منهم على نفسه وعلى الآخرين، ويبقى التعامل مع الزملاء أحد مراحل النمو الصعبة. فحينها يدرك الطفل أنه لا يعيش في العالم وحده، وأنه قد يُضطر أحيانًا لأن يُفسح المجال ويعطي الآخرين فرصةً ما، وأن عليه في أحيان أخرى أن يصارع ليكون رأيه ورغبته محلَّ تقدير، ويرى علم النفس الحديث أن الصراعات بين الأطفال مهمة في تطوير شخصياتهم وإكسابهم القدرة على إقامة علاقات جيدة.
في أي عمر يبدأ الأطفال في الشجار؟
يبدأ الأطفال في الشجار في سن العامين تقريبًا، فعندها يبدأ بعضهم في الذهاب إلى الحضانة ويتعلمون العيش في جماعة ويصبح لهم أصدقاء، ويكون عليهم تشارك الألعاب نفسها فيما بينهم، وقبول الاختلاف.
قبل ذلك كان عالم الأطفال هو الأسرة فقط وكانوا دائمًا محاطين بالرعاية والحماية، لكنهم ومع بلوغهم العامين يبدؤون في إدراك أن الدنيا لا تدور حولهم فقط، ويصبح عليهم أحيانًا لكي يحصلوا على شيء ما أن يواجهوا رغبات الآخرين وأفكارهم وشخصياتهم، ويفهموا أن رغباتهم قد لا تُجاب أحيانًا، وهنا يعرفون معنى تقبّل الهزيمة.
هل يجب أن نتدخل حين يتشاجر الصغار؟
من المهم ترك الفرصة للأطفال، الحق في الشجار. فطفلٌ لم يكن لديه فرصة للشجار ربما يتحول بسهولة لمراهق يواجه صعوباتٍ في التمييز بين العنف والاحتياج المشروع للتعبير عن الرأي، والتعبير عن مواقفه مهما كانت مختلفة، وحل المشكلات التي تعترض علاقاته.
لذا فإن تدخل الكبار في مشكلات الأطفال يجب أن يكون مدروسًا، فالشجار جزء مهم من مراحل نموهم ويساعدهم على الاعتماد على أنفسهم: طفل اعتاد البحث عن والديه حين يعترضه أي موقف غير لطيف، كيف يمكن أن يتصرف لاحقًا حين يختلف مثلًا مع زوجته، إنه طفل لا يشعر بالأمان.
كيف يكون التدخل؟
مع بداية ظهور الشجار في حياة أطفالهم يتساءل آباء كثيرون إذا ما كان عليهم التدخل في صراعات أبنائهم ذوي العامين مع الأطفال الآخرين. والإجابة دائمًا أن شكل التدخل يعتمد على الموقف الذي سنجد الطفل فيه.
تظل لدينا تساؤلات مثل: متى نتدخل ومتى لا؟ كيف نتدخل؟ أو لماذا لا نتدخل؟ وهنا نماذج تخبرك كيف يجب أن تتصرف حين يتشاجر طفلك مع أطفال آخرين في المواقف الأكثر اعتيادًا.
طفلك يلعب بهدوء في الحديقة بالجردل والمجرفة الخاصين به. فجأة يأتي طفل آخر ويأخذ منه الجردل. لا يُبدي طفلك أيّ قدر من التسامح ويحاول انتزاعه منه.
هل نتدخل؟ ....لا
في البداية، لا يجب أن نتدخل ففي هذا العمر لا تكون المشاجرات خطيرة عادة، وخلال وقت قصير، يحلّ الأطفال خلافاتهم. لكن ليس الأمر هكذا دائمًا. لو وصلت المشاجرة على اللعبة نفسها إلى التشابك بالأيدي، وتحولت لمعركة لا هوادة فيها، لا تتردد في التدخل لتفصل بينهما وتحميهما. في المرحلة الثانية من التدخل يمكنك أن تلعب دور الوسيط، بحيث تساعدهم في التوصل لاتفاق يرضي الطرفين. “وماذا لو لعب أحدكما بالجردل ولعب الآخر بالمجرفة؟”.
يقرص أخاه خلسة
صغيرك قام بهذا الفعل الشنيع في أخيه؟ خلسة! وأنت الذي كنت تظن أن الغيرة بينهما أصبحت شيئًا من الماضي.. هل تتصرف وكأنك لم تلاحظ شيئًا أم توبّخه على فعلته؟
هل نتدخل؟ نعم
الفرصة التي تمنحها لنا هذه القَرصة هي فهم مخاوف واحتياجات طفلنا في علاقته بأخيه. هي ليست خطيرة ولا مرعبة، ببساطة هي تعبر عن شيء من الغيرة لم ينته بعد. دون أن توبّخه، يمكنك أن تُعلِمه أنك رأيته وتتكلم معه فيما حدث. تدخلك في النهاية يكون لحماية الصغير وضمان سلامته.
يمسك بكل شيء في المتجر
يحب طفلك السوبر ماركت جداً؟ وهناك تكون مهمته لمس أكبر عدد ممكن من الأشياء بيديه الصغيرتين؟ لو كانت ثابتة يكتفي بلمسها، الأخرى يمسكها ويلقيها في السلة؛ لو كانت لينة، كالخبز أو الموز، يستمتع بالضغط عليها بأصابعه الصغيرة. والدته تنظر إليه بطرف عينيها ولا تعلم إذا كان التدخل سيكون جيدًا أم لا، لكنها لو تدخلت لزجره كل مرة فلن تُنهي تسوّقها.
هل نتدخل؟ نعم
إن الطفل حين يمسك كل هذه الأشياء يعطينا مؤشرًا صحيًّا على وجود دافع للتعلّم لديه، لكنه في هذه الحالة يصطدم باحترام خصوصية الآخرين، مستسلمًا لرغبته في التعلم، لذا يمكنكِ أن تشرحي له أن أصحاب المتجر لا يحبون أن يمسك أحدٌ أشياءهم هكذا، وفيما بعد اعرضي عليه بديلًا لتلبي احتياجه: اسمحي له باستكشاف المشتريات التي جمعتها في السلة واتركيه يُدخل بعضها بنفسه. هكذا تُشبعين احتياجه للتعلم بينما تعلميه أن هناك معايير تتعلق باحترام متعلقات الآخرين.
لا يشارك الآخرين في أشيائه
لا توجد طريقة، تحيط طفلتك على سبيل المثال ألعابها بيديها وحين تصل صديقتك مع ابنتها لتقضي معكم بعض الوقت، لا تجدين طريقة لتترك ابنتك لها أي لعبة. وحين تُصرّين أكثر تمضي الأمور نحو الأسوأ.
هل نتدخل؟ لا
من المهم أن يعرف الطفل حقه في ألا يشارك الآخرين أشياءه. إنها أشياؤه، وليست أشياؤك أنت، وعليك احترام رغبة الطفلة. لو رغبت صديقتها الصغيرة في اللعب، دعيها تفهم ذلك لكن لا تجبريها على أن تشاركها. لو كان هذا سلوك تكرره دائمًا، يمكنك أن تتكلمي معها عن أهمية المشاركة وتعطيها أمثلة. أما لو كان ما لا تريد مشاركته شيئًا عامًا فعليك إذن التدخل، وشرح أنها تخص الجميع وأن الأطفال الآخرين من حقهم أيضًا أن يستمتعوا بها, كالأرجوحة مثلًا.
يضربه زملاؤه في الحضانة
هل استيقظ طفلك ذات صباح ومزاجه سيء ولا يريد الذهاب إلى الحضانة؟ وتكرر الأمر في الصباحات التالية أيضًا. “المدرسة.. لا” تحولت هذه الكلمة إلى شعار الصباح. بالطبع ستسألين المدرّسة إذا كانت لدى طفلك أية مشكلة؛ ربما ستجيبك بأنَّ أحد زملائه اعتاد أن يضايقه قليلًا.
هل نتدخل؟ نعم بالطبع
لقد مر الطفل هكذا بتجربة سيئة، رغم أنه من الواضح لم يحظ بالاهتمام، وعلينا أن نعطيه الأدوات التي يتجنب بها حدوث ذلك. تحدثي معه ومع مدرّسته. من المهم أن يعبّر عما حدث، وهذا سيشعره بالراحة والدعم. يمكنك أن تسأليه مباشرة وتشاركيه بعض الحكايات المشابهة. ويجب أن تعلّميه كيف يحمي نفسه.
يضرب زملاءه في الحضانة
إذا كان طفلك هو الذي يضرب زميله في الحضانة، وتتلقين بسبب ذلك شكاوى متكررة. حين تسألينه هل ضرب زميله، سيجيبك على الأغلب بأنه لم يفعل.
هل نتدخل؟ نعم
هذا السلوك العدواني يخبرك أن شيئًا ما لا يمضي بشكل جيد. ومن المهم تحديد المشكلة، وتعليمه كيف يعبّر عن غضبه أو عدم اتفاقه بشكل مختلف.
كيف نتدخل؟ الهدف من تدخلك ليس كبح سلوكه العدواني، إنما معرفة ما الذي يحدث له ويجعله يُظهر هذه الطريقة العنيفة. وأيضًا من المهم تعليمه طريقة أخرى للتعبير عن غضبه. ورغم أنه يبلغ عامين فقط يمكنك أن تشرحي له نتائج أفعاله تلك. لو احتجت دعمًا لتكتشفي ما الذي يحدث لطفلك، دائمًا يمكنك اللجوء لمتخصصين ليساعدوكِ في تحديد المشكلة وحلّها.
مهارات مشتركة
ولأن الخلافات جزء من الحياة وتمثل للطفل جانبًا مهمًّا من جوانب نموّه، وبصرف النظر عن شكل التدخل فإن الهدف منه في النهاية هو إكساب الطفل المهارات الاجتماعية اللازمة له لبناء علاقته بالآخرين، لذا علينا لدى التدخل في خلافات الطفل مع الأطفال الآخرين أن يكون الهدف هو تعليمه كيف يتقبل الآخر، ويتعاطف معه، وكيف يعبّر بطريقة سليمة عن رغباته وكيف يؤجل تحقيق بعضها أحيانًا ويضع لها بدائل مختلفة، وهذه المهارات معقدة بالطبع وقد لا يفهمها بعض البالغين، لذا فهي تستغرق وقتًا كي يتعلمها الطفل، وعلينا خلال هذا الوقت أن ندعمه دائمًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق