يواجه المعلم عادة بعض الصعوبات لدى ممارسته عملية التعليم، وذلك بغض النظر عن خبرته وعدد سنوات خدمته ونوع المادة التي يدرسها، والمرحلة التعليمية التي يؤدي مهامه فيها. وتشكل هذه الصعوبات مشكلات عامة يواجهها المعلمون كافة من وقت لآخر، وتأخذ أشكالاً معينة، كما ترتبط بطبيعة العملية التعلمية ـ التعليمية ذاتها.
وإن اكتساب المعلم للخبرة، يجعله أكثر قدرة على مواجهة مثل هذه المشكلات ومعالجتها، بيد أن ذلك لا يعني نجاح عملية التعليم على النحو الأفضل. فالتقدم التقني السريع والمستمر، يطرح أمام المعلم باستمرار مشكلات جديدة عليه أن يقوم بمواجهتها وإيجاد الحلول لها، الأمر الذي يجعل المعلم في حاجة مستمرة وملحة إلى فهم أفضل للأسس والمبادئ التي تقوم عليها عملية التعليم، حيث يتمكن من تسهيلها وجعلها أكثر نجاحا وفعالية.
ويعتبر علم النفس التربوي من المواد الأساسية اللازمة لتدريب المعلمين وتأهيلهم، لأنه يزودهم بالأسس والمبادئ النفسية الصادقة التي تتناول طبيعة التعلم المدرسي، ليصبحوا أكثر فهماً وإدراكاً لطبيعة عملهم، وأكثر مرونة في مواجهة المشكلات الناجحة عن هذا العمل.
ويقوم دور علم النفس التربوي في مجال تدريب المعلمين وتأهيلهم على الافتراض القائل بوجود مبادئ عامة للتعلم المدرسي، يمكن استنتاجها أو اشتقاقها من بعض النظريات التي تبدو صادقة، كما يمكن التأكد من صدق هذه المبادئ على نحو مخبري أو تجريبي، وإيصالها إلى المعلم على نحو فعال، فتزوده بالقدرة على اكتشاف أكثر طرق التعليم نجاحا، وتحرره من الطرق التقليدية السائدة. وكلما كانت تلك الطرق أكثر ارتباطاً بطبيعة عملية التعلم المدرسي، وبالعوامل المعرفية والانفعالية والاجتماعية التي تؤثر فيها، كلما كانت أكثر صدقاً وفعالية.
ولكن ماذا يفعل المعلم في حالة غياب مثل هذه المبادئ؟ إن غياب المبادئ السيكولوجية الصحيحة للتعلم المدرسي يؤدي بالمعلم إلى الاستعانة بأحد البدائل الثلاثة التالية، فقد يعتمد المعلم على القواعد التربوية التقليدية، أو يلجأ إلى تقليد معلميه القدامى وزملائه ذوي الخبرة، أو قد يقوم بعمليات المحاولة والخطأ للوقوف على المبادئ التي تحكم عملية التعلم المدرسي.
ومما لا شك فيه، أن بعض القواعد التربوية التقليدية التي تناقلتها الأجيال، قد صمدت عبر الزمن، وربما تكون صحيحة. بيد أن استمرار «قاعدة» ما، لا يعني صدقها بالضرورة، فالكثير من «القواعد» و«التقاليد» ما زال يسود في العديد من المجتمعات الإنسانية على الرغم من بيان عدم صدقها. ومع ذلك، فإن تطبيق القاعدة التربوية التقليدية، حتى في حال صدقها، يختلف باختلاف الشروط التربوية وبتغيّر الأهداف التعليمية، حيث لا يمكن إتباع أكثر القواعد ثباتاً وصدقاً على نحو أعمى، إذ يجب باستمرار إعادة اختبار هذه القواعد في ضوء الشروط التربوية المتغيرة. ويرى أوزوبل (Ausubel, 1977) أن القاعدة بحكم تعريفها، تصاغ بمصطلحات عامة، لذا لا يمكن وجود قاعدة لكل موقف أو وضع تعليمي يواجهه المعلم. أما المبادئ، فهي أكثر مرونة من القواعد، لأنها أقل تحديداً، ويمكن تبنيها للوقوف على الفروق بين الأفراد والمواقف والظروف فمعظم الأوضاع التربوية، تتطلب نوعاً من التوازن بين عدة مبادئ ذات صلة وثيقة بهذه الأوضاع، أكثر مما تتطلب التطبيق العشوائي لقاعدة تقليدية شائعة. ويستطيع المعلم الفعال إيجاد حلول مناسبة للمشكلات التي تواجهه، باللجوء إلى مجموعة من المبادئ السيكولوجية الصحيحة التي يزوده بها علم النفس التربوي، وذلك عوضاً عن التطبيق الأعمى لقاعدة تربوية تقليدية واحدة.
أما اللجوء إلى محاكاة معلم قديم أو زميل خبير، فقد ينطوي على نوع من الحكمة، ويؤدي إلى الاطمئنان والاستقرار، وبخاصة عند المعلم حديث العهد بمهنة التعليم، أو غير المؤهل تربوياً. بيد أن أسلوب المحاكاة يستلزم وجود نموذج جيد، وألا غدت عملية المحاكاة عائقاً يحول دون التقدم المهني للمعلم، ومهما كان النموذج المحتذى جيداً، فما زال خطر التقليد الأعمى لهذا النموذج قائماً. لذا يجب إعادة النظر في النموذج باستمرار لتكييفه مع الشروط والأهداف التربوية المتغيرة. ولن يكون النموذج في أحسن حالاته، بديلاً عن المبادئ السيكولوجية السليمة التي تحكم عملية التعليم والتي يجب على المعلم اللجوء إليها لتساعده في مواجهة المشكلات الناجحة عن طبيعة عمله.
والبديل الثالث الذي قد يلجأ إليه المعلم غير الملم بمبادئ علم النفس التربوي، هو أسلوب المحاولة والخطأ. إن اكتشاف مبادئ أو طرق التعليم من خلال هذا الأسلوب يعتبر عملاً عشوائياً، ومضيعة للجهد والوقت، دون أي فائدة مرجوة. لذا يجب على المعلم، كما يرى أوزبل أن يبدأ بمجموعة من المبادئ السيكولوجية القائمة ذات العلاقة بالتعليم المدرسي، حيث يختار على نحو عقلاني أفضل الطرق والتقنيات التعليمية الحديثة، عوضاً عن الضياع في متاهات الحدوس الغامضة. فالمبادئ السيكولوجية الصادقة، لا توحي بالعديد من أساليب التدريس الجديدة فقط، بل تستبعد أيضاً كافة المحاولات التي لا تستحق الاختبار، لعدم اتفاقها أصلاً مع المبادئ النفسية التي أكدت البحوث صدقها.
أهداف علم النفس التربوي.
يسعى علم النفس التربوي إلى تحقيق هدفين أساسيين (Gooduim and Klausmeier, 1975) الأول، توليد المعرفة الخاصة بالتعلم والطلاب وتنظيمها على نحو منهجي حيث تشكل نظريات ومبادئ ومعلومات ذات صلة بالطلاب والتعلم. والهدف الثاني لعلم النفس التربوي، هو صياغة هذه المعرفة في أشكال تمكن المعلمين والتربويين من استخدامها وتطبيقها.
يشير الهدف الأول إلى الجانب النظري الذي ينطوي عليه علم النفس التربوي. فهو علم سلوكي، يتناول دراسة سلوك المتعلم في الأوضاع التعليمية المختلفة حيث يبحث في طبيعة التعلم ونتائجه وقياسه، وفي خصائص المتعلم النفسية ـ الحركية والانفعالية والعقلية ذات العلاقة بالعملية التعليمية ـ التعلمية، كما يبحث في الشروط المدرسية والبيئية التي تؤثر في فعالية هذه العملية. ويلجأ علماء النفس التربويون إلى استخدام أنواع مختلفة من مناهج البحث، لتوليد المعارف التي تقع ضمن حقل اهتماماتهم، وتتراوح هذه المناهج بين عمليات الضبط التجريبي التي تتم في المخابر وتتناول الحيوانات وعمليات الملاحظة المباشرة التي تجري في القسم المدرسي وتتناول الطلاب والأطفال.
ويشير الهدف الثاني لعلم النفس التربوي إلى جانبه التطبيقي، فمجرد توليد المعارف ووضع النظريات والمبادئ ذات العلاقة بالتعلم والطالب لا يضمن نجاح عملية التعليم، إذ لا بد من تنظيم هذه المعارف والنظريات والمبادئ في أشكال تمكن المعلمين من استخدامها واختبارها وبيان مدى صدقها وفعاليتها وأثرها في هذه العملية. لهذا، يعمل علماء النفس التربويون على تطبيق ما يصلون إليه من معارف ومبادئ ونظريات على الأوضاع التعليمية المختلفة، ويقومون بتعديلها في ضوء النتائج التي يسفر عنها هذا التطبيق، حيث يطورون العديد من طرق التعليم ووسائله، لتحقيق أفضل النتائج التعلمية.
وبهذين الهدفين لعلم النفس التربوي، يتم تجاوز مشكلة سد الثغرة بين النظرية والتطبيق، لأنه يتضمن هذين الجانبين معاً، فلا هو نظري بحت، كعلم النفس، ولا هو تطبيق محض، كفن التدريس، بل يحتل مركزاً وسطاً بينهما. إلا أن ذلك لا يحول دون استفادة علم النفس التربوي من النظريات والمبادئ والمعارف التي وتولدها فروع علم النفس الأخرى، كعلم نفس النمو، وعلم النفس التجريبي، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم النفس الإكلينيكي.
ويمكن لعلم النفس التربوي، أن يجمع بذلك أفضل ما تجيء به هذه العلوم من نتائج، وأن يحقق اهتماماً مشتركاً بين الاختصاصي النفسي والاختصاصي التربوي، بحيث يغدو عملهما أكثر فعالية وجودة.
المشكلات التي يواجهها المعلم
يقوم علم النفس التربوي ـ كما ذكر سابقاً ـ بتزويد المعلمين بمجموعة من المبادئ والمعارف تساعدهم على أداء مهماتهم التعليمية بشكل أفضل، وتمكنهم من مواجهة المشكلات التي قد تنجم عن طبيعة هذه المهام، فيجدون الحلول المناسبة لها، ويبتكرون الطرق والوسائل الملائمة التي تسهل عملية التعليم وتجعلها فعالة قدر الإمكان.
ويواجه المعلم عادة عدداً من المشكلات تؤثر في أدائه المهني على نحو أو آخر، بيد أن اهتمام علماء النفس التربويون يتجه في معظم الأحيان نحو المشكلات التي ترتبط بطبيعة العملية التعليمية ـ التعلمية والناجمة عنها، فما هي هذه المشكلات؟ ينصف كيج (Gage, 1979) هذه المشكلات في خمس فئات أساسية تتفق مع طبيعة هذه العملية وجوانبها المختلفة، وهي:
1 ـ المشكلات المتعلقة بالأهداف:
على المعلم أن يبدأ نشاطه التعليمي بتكوين فكرة واضحة عما يريد إنجازه من خلال عملية التعليم، أي يجب أن يقف على الأهداف التي يتوقع من الطلاب إنجازها نتيجة هذه العملية، لذا سيواجه مشكلة اختيار وصياغتها، وطرق تزويد الطلاب بها.
2 ـ المشكلات المتعلقة بخصائص الطلاب:
يتباين الطلاب عادة في العديد من الخصائص الجسدية والانفعالية والعقلية والاجتماعية، الأمر الذي يفرض على المعلم مواجهة مشكلة فهم الطلاب، وذلك من خلال التعرف على قدراتهم المتنوعة، ومستوى نموهم، ونقاط ضعفهم وقوتهم، لتحديد مدى استعداداتهم وقدراتهم على إنجاز الأهداف التعليمية المرغوبة.
3 ـ المشكلات المتعلقة بالتعلم:
يحتاج المعلم من أجل أداء مهمته التعليمية إلى معرفة المبادئ المتنوعة التي تحكم عملية اكتساب المعلومات لدى الطلاب، وتشكل هذه المعرفة تصوراً معيناً لديه من الكيفية التي يؤثر فيهم من خلالها. ولما كانت أنواع السلوك التي يمارسها الطلاب عديدة ومتنوعة، وتحكمها مبادئ تعلمية مختلفة، فسيواجه المعلم مشكلة اختيار مبادئ التعلم التي تتفق مع طبيعة المواقف التعليمية ـ التعلمية المتنوعة، والتي تفرضها عليه شروط النشاط التعليمي الذي يقوم به.
4 ـ المشكلات المتعلقة بالتعليم (التدريس):
يلجأ المعلمون عادة إلى استخدام طريقة أو أكثر من طرق التدريس، وتختلف هذه الطرق باختلاف المواد المدرسية والطلاب والشروط التعليمية الأخرى. ومن المألوف أن يواجه المعلم في هذا المجال مشكلة اتخاذ القرار فيما يتعلق باختيار الطرق والوسائل الأكثر نجاحا، فهل يلجأ مثلاً إلى استخدام طريقة المحاضرة أم المناقشة؟ وهل يستخدم لوحات إيضاحية أم فيلماً تلفزيونياً؟
5 ـ المشكلات المتعلقة بالتقويم:
إن النشاط التعليمي الأخير الذي يقوم به المعلم، هو التقويم. وعملية التقويم هذه، تمكن المعلم من التعرف على مدى التقدم في مجال تحقيق الأهداف التعليمية، ويجابه المعلم في هذه المرحلة من مهمته التعليمية مشكلة اختيار أو تطوير الإجراءات التي تساعده على معرفة هذا التقدم والوقوف على ما إذا كان التعليم يجري على نحو جيد أم لا.
إن استعراض الأنواع المختلفة للمشكلات التي تجابه المعلم أثناء عمله، والمرتبطة بطبيعة هذا العمل، تبين المجالات الأساسية التي يوجه علماء النفس التربوي جهودهم نحوها، وتشكل تصوراً واضحاَ ومعقولاً للموضوعات التي يتناولها هؤلاء العلماء بالدراسة والبحث، الأمر الذي يجعلهم قادرين على تزويد المعلم بالمعلومات والمبادئ والأسس ذات العلاقة الوثيقة بما يقوم به من نشاطات تعليمية مختلفة، والتي تساعده على مواجهة هذه المشكلات وابتكار الحلول المناسبة لها، فما هو موضوع علم النفس التربوي، وما هي المكونات الأساسية لعملية التعلم والتعليم التي تحظى باهتمام الباحثين وجهودهم؟
موضوع علم النفس التربوي
عانى علم النفس التربوي، كغيره من العلوم الأخرى، نوعاً من التطور خلال السنوات الخمسين الماضية، حيث يصعب تحديد موضوعه بدقة تامة، خلال هذه المرحلة من تاريخه، فقد تباينت موضوعات هذا العلم بتباين الباحثين وتباين وجهات نظرهم، كما يعود تباين هذه الموضوعات إلى اختلاف المشكلات الناجمة عن العملية التعليمية ـ التعلمية وتنوعها، وإلى تطور اهتمامات الباحثين والعلماء في ميادين علم النفس الأخرى، الأمر الذي جعل أوزوبل (Ausuble, 1986) يتساءل عن حقيقة وجود ميدان يسمى بعلم النفس التربوي.
ويشير تاريخ هذا العلم وتطوره إلى اتساع ميدانه عبر الزمن، فقد وجه الباحثون اهتماماتهم في الثلاثينيات من هذا القرن نحو الموضوعات المرتبطة بسيكولوجية التعلم والمواد الدراسية كالقراءة والحساب، ولدى انتشار مفاهيم الصحة النفسية والعلاج النفسي ضمن الباحثون في علم النفس التربوي هذه المفاهيم في مؤلفاتهم ودراساتهم، وعاد الاهتمام من جديد في الخمسينات إلى موضوعات التعلم، دون الخوض بمسألة سيكولوجية المواد الدراسية، حيث تركت للمختصين في تدريسها.
ويقوم دور علم النفس التربوي في مجال تدريب المعلمين وتأهيلهم على الافتراض القائل بوجود مبادئ عامة للتعلم المدرسي، يمكن استنتاجها أو اشتقاقها من بعض النظريات التي تبدو صادقة، كما يمكن التأكد من صدق هذه المبادئ على نحو مخبري أو تجريبي، وإيصالها إلى المعلم على نحو فعال، فتزوده بالقدرة على اكتشاف أكثر طرق التعليم نجاحا، وتحرره من الطرق التقليدية السائدة. وكلما كانت تلك الطرق أكثر ارتباطاً بطبيعة عملية التعلم المدرسي، وبالعوامل المعرفية والانفعالية والاجتماعية التي تؤثر فيها، كلما كانت أكثر صدقاً وفعالية.
ولكن ماذا يفعل المعلم في حالة غياب مثل هذه المبادئ؟ إن غياب المبادئ السيكولوجية الصحيحة للتعلم المدرسي يؤدي بالمعلم إلى الاستعانة بأحد البدائل الثلاثة التالية، فقد يعتمد المعلم على القواعد التربوية التقليدية، أو يلجأ إلى تقليد معلميه القدامى وزملائه ذوي الخبرة، أو قد يقوم بعمليات المحاولة والخطأ للوقوف على المبادئ التي تحكم عملية التعلم المدرسي.
ومما لا شك فيه، أن بعض القواعد التربوية التقليدية التي تناقلتها الأجيال، قد صمدت عبر الزمن، وربما تكون صحيحة. بيد أن استمرار «قاعدة» ما، لا يعني صدقها بالضرورة، فالكثير من «القواعد» و«التقاليد» ما زال يسود في العديد من المجتمعات الإنسانية على الرغم من بيان عدم صدقها. ومع ذلك، فإن تطبيق القاعدة التربوية التقليدية، حتى في حال صدقها، يختلف باختلاف الشروط التربوية وبتغيّر الأهداف التعليمية، حيث لا يمكن إتباع أكثر القواعد ثباتاً وصدقاً على نحو أعمى، إذ يجب باستمرار إعادة اختبار هذه القواعد في ضوء الشروط التربوية المتغيرة. ويرى أوزوبل (Ausubel, 1977) أن القاعدة بحكم تعريفها، تصاغ بمصطلحات عامة، لذا لا يمكن وجود قاعدة لكل موقف أو وضع تعليمي يواجهه المعلم. أما المبادئ، فهي أكثر مرونة من القواعد، لأنها أقل تحديداً، ويمكن تبنيها للوقوف على الفروق بين الأفراد والمواقف والظروف فمعظم الأوضاع التربوية، تتطلب نوعاً من التوازن بين عدة مبادئ ذات صلة وثيقة بهذه الأوضاع، أكثر مما تتطلب التطبيق العشوائي لقاعدة تقليدية شائعة. ويستطيع المعلم الفعال إيجاد حلول مناسبة للمشكلات التي تواجهه، باللجوء إلى مجموعة من المبادئ السيكولوجية الصحيحة التي يزوده بها علم النفس التربوي، وذلك عوضاً عن التطبيق الأعمى لقاعدة تربوية تقليدية واحدة.
أما اللجوء إلى محاكاة معلم قديم أو زميل خبير، فقد ينطوي على نوع من الحكمة، ويؤدي إلى الاطمئنان والاستقرار، وبخاصة عند المعلم حديث العهد بمهنة التعليم، أو غير المؤهل تربوياً. بيد أن أسلوب المحاكاة يستلزم وجود نموذج جيد، وألا غدت عملية المحاكاة عائقاً يحول دون التقدم المهني للمعلم، ومهما كان النموذج المحتذى جيداً، فما زال خطر التقليد الأعمى لهذا النموذج قائماً. لذا يجب إعادة النظر في النموذج باستمرار لتكييفه مع الشروط والأهداف التربوية المتغيرة. ولن يكون النموذج في أحسن حالاته، بديلاً عن المبادئ السيكولوجية السليمة التي تحكم عملية التعليم والتي يجب على المعلم اللجوء إليها لتساعده في مواجهة المشكلات الناجحة عن طبيعة عمله.
والبديل الثالث الذي قد يلجأ إليه المعلم غير الملم بمبادئ علم النفس التربوي، هو أسلوب المحاولة والخطأ. إن اكتشاف مبادئ أو طرق التعليم من خلال هذا الأسلوب يعتبر عملاً عشوائياً، ومضيعة للجهد والوقت، دون أي فائدة مرجوة. لذا يجب على المعلم، كما يرى أوزبل أن يبدأ بمجموعة من المبادئ السيكولوجية القائمة ذات العلاقة بالتعليم المدرسي، حيث يختار على نحو عقلاني أفضل الطرق والتقنيات التعليمية الحديثة، عوضاً عن الضياع في متاهات الحدوس الغامضة. فالمبادئ السيكولوجية الصادقة، لا توحي بالعديد من أساليب التدريس الجديدة فقط، بل تستبعد أيضاً كافة المحاولات التي لا تستحق الاختبار، لعدم اتفاقها أصلاً مع المبادئ النفسية التي أكدت البحوث صدقها.
أهداف علم النفس التربوي.
يسعى علم النفس التربوي إلى تحقيق هدفين أساسيين (Gooduim and Klausmeier, 1975) الأول، توليد المعرفة الخاصة بالتعلم والطلاب وتنظيمها على نحو منهجي حيث تشكل نظريات ومبادئ ومعلومات ذات صلة بالطلاب والتعلم. والهدف الثاني لعلم النفس التربوي، هو صياغة هذه المعرفة في أشكال تمكن المعلمين والتربويين من استخدامها وتطبيقها.
يشير الهدف الأول إلى الجانب النظري الذي ينطوي عليه علم النفس التربوي. فهو علم سلوكي، يتناول دراسة سلوك المتعلم في الأوضاع التعليمية المختلفة حيث يبحث في طبيعة التعلم ونتائجه وقياسه، وفي خصائص المتعلم النفسية ـ الحركية والانفعالية والعقلية ذات العلاقة بالعملية التعليمية ـ التعلمية، كما يبحث في الشروط المدرسية والبيئية التي تؤثر في فعالية هذه العملية. ويلجأ علماء النفس التربويون إلى استخدام أنواع مختلفة من مناهج البحث، لتوليد المعارف التي تقع ضمن حقل اهتماماتهم، وتتراوح هذه المناهج بين عمليات الضبط التجريبي التي تتم في المخابر وتتناول الحيوانات وعمليات الملاحظة المباشرة التي تجري في القسم المدرسي وتتناول الطلاب والأطفال.
ويشير الهدف الثاني لعلم النفس التربوي إلى جانبه التطبيقي، فمجرد توليد المعارف ووضع النظريات والمبادئ ذات العلاقة بالتعلم والطالب لا يضمن نجاح عملية التعليم، إذ لا بد من تنظيم هذه المعارف والنظريات والمبادئ في أشكال تمكن المعلمين من استخدامها واختبارها وبيان مدى صدقها وفعاليتها وأثرها في هذه العملية. لهذا، يعمل علماء النفس التربويون على تطبيق ما يصلون إليه من معارف ومبادئ ونظريات على الأوضاع التعليمية المختلفة، ويقومون بتعديلها في ضوء النتائج التي يسفر عنها هذا التطبيق، حيث يطورون العديد من طرق التعليم ووسائله، لتحقيق أفضل النتائج التعلمية.
وبهذين الهدفين لعلم النفس التربوي، يتم تجاوز مشكلة سد الثغرة بين النظرية والتطبيق، لأنه يتضمن هذين الجانبين معاً، فلا هو نظري بحت، كعلم النفس، ولا هو تطبيق محض، كفن التدريس، بل يحتل مركزاً وسطاً بينهما. إلا أن ذلك لا يحول دون استفادة علم النفس التربوي من النظريات والمبادئ والمعارف التي وتولدها فروع علم النفس الأخرى، كعلم نفس النمو، وعلم النفس التجريبي، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم النفس الإكلينيكي.
ويمكن لعلم النفس التربوي، أن يجمع بذلك أفضل ما تجيء به هذه العلوم من نتائج، وأن يحقق اهتماماً مشتركاً بين الاختصاصي النفسي والاختصاصي التربوي، بحيث يغدو عملهما أكثر فعالية وجودة.
المشكلات التي يواجهها المعلم
يقوم علم النفس التربوي ـ كما ذكر سابقاً ـ بتزويد المعلمين بمجموعة من المبادئ والمعارف تساعدهم على أداء مهماتهم التعليمية بشكل أفضل، وتمكنهم من مواجهة المشكلات التي قد تنجم عن طبيعة هذه المهام، فيجدون الحلول المناسبة لها، ويبتكرون الطرق والوسائل الملائمة التي تسهل عملية التعليم وتجعلها فعالة قدر الإمكان.
ويواجه المعلم عادة عدداً من المشكلات تؤثر في أدائه المهني على نحو أو آخر، بيد أن اهتمام علماء النفس التربويون يتجه في معظم الأحيان نحو المشكلات التي ترتبط بطبيعة العملية التعليمية ـ التعلمية والناجمة عنها، فما هي هذه المشكلات؟ ينصف كيج (Gage, 1979) هذه المشكلات في خمس فئات أساسية تتفق مع طبيعة هذه العملية وجوانبها المختلفة، وهي:
1 ـ المشكلات المتعلقة بالأهداف:
على المعلم أن يبدأ نشاطه التعليمي بتكوين فكرة واضحة عما يريد إنجازه من خلال عملية التعليم، أي يجب أن يقف على الأهداف التي يتوقع من الطلاب إنجازها نتيجة هذه العملية، لذا سيواجه مشكلة اختيار وصياغتها، وطرق تزويد الطلاب بها.
2 ـ المشكلات المتعلقة بخصائص الطلاب:
يتباين الطلاب عادة في العديد من الخصائص الجسدية والانفعالية والعقلية والاجتماعية، الأمر الذي يفرض على المعلم مواجهة مشكلة فهم الطلاب، وذلك من خلال التعرف على قدراتهم المتنوعة، ومستوى نموهم، ونقاط ضعفهم وقوتهم، لتحديد مدى استعداداتهم وقدراتهم على إنجاز الأهداف التعليمية المرغوبة.
3 ـ المشكلات المتعلقة بالتعلم:
يحتاج المعلم من أجل أداء مهمته التعليمية إلى معرفة المبادئ المتنوعة التي تحكم عملية اكتساب المعلومات لدى الطلاب، وتشكل هذه المعرفة تصوراً معيناً لديه من الكيفية التي يؤثر فيهم من خلالها. ولما كانت أنواع السلوك التي يمارسها الطلاب عديدة ومتنوعة، وتحكمها مبادئ تعلمية مختلفة، فسيواجه المعلم مشكلة اختيار مبادئ التعلم التي تتفق مع طبيعة المواقف التعليمية ـ التعلمية المتنوعة، والتي تفرضها عليه شروط النشاط التعليمي الذي يقوم به.
4 ـ المشكلات المتعلقة بالتعليم (التدريس):
يلجأ المعلمون عادة إلى استخدام طريقة أو أكثر من طرق التدريس، وتختلف هذه الطرق باختلاف المواد المدرسية والطلاب والشروط التعليمية الأخرى. ومن المألوف أن يواجه المعلم في هذا المجال مشكلة اتخاذ القرار فيما يتعلق باختيار الطرق والوسائل الأكثر نجاحا، فهل يلجأ مثلاً إلى استخدام طريقة المحاضرة أم المناقشة؟ وهل يستخدم لوحات إيضاحية أم فيلماً تلفزيونياً؟
5 ـ المشكلات المتعلقة بالتقويم:
إن النشاط التعليمي الأخير الذي يقوم به المعلم، هو التقويم. وعملية التقويم هذه، تمكن المعلم من التعرف على مدى التقدم في مجال تحقيق الأهداف التعليمية، ويجابه المعلم في هذه المرحلة من مهمته التعليمية مشكلة اختيار أو تطوير الإجراءات التي تساعده على معرفة هذا التقدم والوقوف على ما إذا كان التعليم يجري على نحو جيد أم لا.
إن استعراض الأنواع المختلفة للمشكلات التي تجابه المعلم أثناء عمله، والمرتبطة بطبيعة هذا العمل، تبين المجالات الأساسية التي يوجه علماء النفس التربوي جهودهم نحوها، وتشكل تصوراً واضحاَ ومعقولاً للموضوعات التي يتناولها هؤلاء العلماء بالدراسة والبحث، الأمر الذي يجعلهم قادرين على تزويد المعلم بالمعلومات والمبادئ والأسس ذات العلاقة الوثيقة بما يقوم به من نشاطات تعليمية مختلفة، والتي تساعده على مواجهة هذه المشكلات وابتكار الحلول المناسبة لها، فما هو موضوع علم النفس التربوي، وما هي المكونات الأساسية لعملية التعلم والتعليم التي تحظى باهتمام الباحثين وجهودهم؟
موضوع علم النفس التربوي
عانى علم النفس التربوي، كغيره من العلوم الأخرى، نوعاً من التطور خلال السنوات الخمسين الماضية، حيث يصعب تحديد موضوعه بدقة تامة، خلال هذه المرحلة من تاريخه، فقد تباينت موضوعات هذا العلم بتباين الباحثين وتباين وجهات نظرهم، كما يعود تباين هذه الموضوعات إلى اختلاف المشكلات الناجمة عن العملية التعليمية ـ التعلمية وتنوعها، وإلى تطور اهتمامات الباحثين والعلماء في ميادين علم النفس الأخرى، الأمر الذي جعل أوزوبل (Ausuble, 1986) يتساءل عن حقيقة وجود ميدان يسمى بعلم النفس التربوي.
ويشير تاريخ هذا العلم وتطوره إلى اتساع ميدانه عبر الزمن، فقد وجه الباحثون اهتماماتهم في الثلاثينيات من هذا القرن نحو الموضوعات المرتبطة بسيكولوجية التعلم والمواد الدراسية كالقراءة والحساب، ولدى انتشار مفاهيم الصحة النفسية والعلاج النفسي ضمن الباحثون في علم النفس التربوي هذه المفاهيم في مؤلفاتهم ودراساتهم، وعاد الاهتمام من جديد في الخمسينات إلى موضوعات التعلم، دون الخوض بمسألة سيكولوجية المواد الدراسية، حيث تركت للمختصين في تدريسها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق