قم بزيارة هذه الصفحات

ديداكتيكية الطرائق التعليمية




مدخل:
إن الحديث عن ديداكتيكية الطرائق التعليمية في المجال التربوي التعليمي يقتضي تحديد معناها وتطورها وتصنيفها وكيفية استعمالها السليم لتحقيق الأهداف المراد التوصل إليها.

I ـ معنى الطريقة :
إن معنى الطريقة الشائع، يتجلى في مجموعة من الخطوات اللازمة، لإدراك غاية ما، وهي تلك الخطوات المنظمة في مجال معين من المجالات الفكرية أو العملية، للوصول إلى الهدف بسرعة وبأكثر ما يمكن من الدقة والضبط. ويقصد بالطريقة التعليمية في المجال البيداغوجي والديداكتيكي: مجموع الأساليب والتقنيات المتبعة لاكتشاف حقيقة قصد إثباتها أو إيصالها.

وقد تطورت الطرائق التعليمية تطورا محسوسا، نتيجة لعوامل أساسية، أهمها : 
1. التزايد المذهل للتلاميذ المسجلين في مختلف شعب التعليم.
2. الصعوبة المترتبة عن هذا التزايد في إيجاد وتوظيف هيأة تعليمية حسنة التكوين، حسب
متطلبات التطور الاجتماعي الذي أصاب العالم منذ بداية الحرب العالمية الأولى .
3. ظهور مجموعة من الحاجيات المستجدة وبالأخص، في المجال الاقتصادي والتقني والعلمي والسياسي، عند مجتمعات، أصبح فيها التعليم العمومي منظما تنظيما خاصا.
4. التطور الهائل الذي حدث في المجال العلمي عامة والعلوم الإنسانية خاصة وفي علوم التربية بصفة أخص، وعلى رأسها الديداكتيك.

هذه العوامل، أدت إلى اختيار الطرائق العامة في التعليم، وقادت إلى صراعات بين الطرائق التقليدية والطرائق الحديثة. غير أنه برغم النجاح الذي أحرزته هذه الطرائق الحديثة في الميدانين، النظري والعملي، ورغم التماسك الموجود بين أسسها النفسية والبيداغوجية والاجتماعية، من جهة، وبين هذه الأسس مجتمعة وتطبيقها العملي التي تنعكس جدواها على الفرد والمجتمع، من جهة ثانية، فإن الممارسة الواعية الحقيقية لهذه الطرائق، لا زالت وقفا على بعض المؤسسات في دول متقدمة علميا وتقنيا واقتصاديا واجتماعيا.

IIـ تصنيف ديكورت De Corte للطرائق التعليمية :
لقد صنف ديكورت الطرائق التعليمية اعتمادا على أشكال الفعل التعليمي، وهي الأفعال التي ينجزها المدرس في علاقة مع تقديم محتويات، قصد جعل المتعلم يحقق أهدافا محددة.

ولتحديد أشكال الفعل التعليمي، ننطلق من ثلاثة عناصر أساسية :
1. إن أنشطة التعليم وأشكاله، لها علاقة بالمحتويات المقدمة للمتعلم.
2. إن هذه الأنشطة والأشكال، تتحدد بنوعية العلاقة بين المدرس والمتعلم.
3. إن اختيار هذه الأنشطة والأشكال، يتوخى بلوغ أهداف سيحققها المتعلم.

انطلاقا من هذا، اقترح ديكورت أربعة أشكال تعليمية أساسية. وهي :
1. أشكال تلقينية، تعتمد على الإلقاء والبرهنة.
2. أشكال حوارية التي تعتمد على الحوار العمودي والحوار الأفقي.
3. أشكال البحث والمهام التي تعتمد على مهام مغلقة ومهام مفتوحة.
4. أشكال العمل الجماعي التي تعتمد على التنشيط والحوار والمهام.

وقدم ديكورت في مجال توضيح هذه الأشكال، بحثا لهالتيما Haltéma، قسم فيه أسلوب المدرسين في العمل داخل القسم على المستويات التالية :
1. المستوى المعرفي :
1.1. هناك مدرس منظم، يهتم بتنظيم المعرفة ( يلقي، يلقن ).
2.1. هناك مدرس منشط، يهتم بحركة المتعلم ونشاطه ( محاور، منشط ).
2. المستوى العملي :
1.2. هناك مدرس قائد، يسير ويضبط ( مسير، ضابط ).
2.2. هناك مدرس مساعد، يرشد ويعزز (منشط، متفتح ).
3. المستوى الاجتماعي :
1.3. هناك مدرس آمر، يعتمد على السلطة ( ديكتاتوري ).
2.3. هناك مدرس متقبل لآراء الآخرين ( ديموقراطي ).

هذا التصنيف الذي اقترحه ديكورت، ينطلق من ثلاث متغيرات : الأهداف ـ المدرس ـ المتعلم.
1. الأهداف : 
تشمل معارف ومهارات ومواقف.
2. المدرس : 
1.2. يسير المدرس وحده فعل التعليم والتعلم (طريقة تلقينية ).
2.2. يشترك المدرس مع المتعلم في تسيير فعل التعليم والتعلم ( طريقة حوارية ).
3.2. يسير المتعلمون فعل التعليم والتعلم بأنفسهم دون تدخل المدرس الذي يكتفي بالتنشيط (طريقة تنشيطية ).
3. المتعلم :
1.3. غير قادر على اكتساب المعرفة لوحده، فلا بد أن يعلمه شخص ما. في هذا البعد، يكون سلبيا، يتلقى المعرفة ويستهلكها أو يستجيب فقط لما يأتيه من المدرس.
2.3. قادر ذاتيا على اكتساب المعرفة وعلى الابتكار والإبداع، إذ يمكنه أن يتعلم من خلال نشاطه الذاتي. وفي هذا البعد، يكون إيجابيا نشيطا، يخلق لنفسه أدوات تعلمه.
3.3. وضعيته وسط بين الأول والثاني، حيث تعطى الأهمية للنشاط الذاتي للمتعلم، وفي نفس الوقت، موجه نحو تعليم حدده المدرس من قبل.

إن اختيار هذا الثالوث من المتغيرات ينبني على أساسين :
1. العلاقة بين المدرس والمتعلم، تحدده الطريقة البيداغوجية.
2. نوع هذه الطريقة، يحدده الهدف، أي نوع العلاقة بين المدرس والمتعلم، مثلما يوحي المحتوى المراد تدريسه، من خلال العلاقة بين الهدف والطريقة.
إن العلاقة التفاعلية بين متغيرات وأسس هذا التصنيف،هي التي تحدد نمط الطريقة البيداغوجية.

III ـ كيفية استعمال الطريقة الملائمة لبلوغ الأهداف :
1) الطريقة الإلقائية : (مدرس / متعلم). وتتجلى فيما يلي :
1.1. مدرس يسير وحده فعل التعليم والتعلم دون تدخل المتعلم.
2.1. المتعلم سلبي يتلقى المعرفة عن طريق سماع أو مشاهدة واختزان خطاب معين.
3.1. يقوم المدرس وحده بالأنشطة التي تندرج داخل هذه الطريقة ( تقديم معلومات، إلقاء، شرح، تقديم ملخص...)

وقد تستعمل هذه الطريقة أدوات مساعدة، يستعين بها المدرس للبرهنة. غير أن معظم الأنشطة التي يقوم بها، تعتمد على الإطناب اللغوي في الغالب. وهي تستوجب مجموعة من الشروط، منها: 
1. شخصية المدرس: تتمثل بالأساس في موقف وتعابير المدرس اللغوية.
2. الرسالة المبلغة : يكون المحتوى كثيفا، يتضمن أكبر قدر من المعلومات والمعارف، تتسم بطابع التصنيف والترتيب والاستشهاد والاستدلال، وأن تعزز بالقناة البصرية التي تشمل الحركات والإيماءات والإشارات أو أدوات مساعدة...
3. المتعلم : التأكد من مدى قدرة المتعلم على استيعاب الخطاب وفهمه والتأكد من مدى استعداده للإصغاء وتمييزه للأفكار والعناصر الأساسية في الرسالة.
4. المدة الزمنية : مراعاة المدة الزمنية لكي لا يمل المتعلمون، نظرا لوجودهم في وضعية استهلاكية، ثم اللجوء إلى النظرات والحركات والأسئلة لتكسير هذا الملل.

إن الطريقة الإلقائية، تلائم في الغالب، أهدافا تتعلق باكتساب وتبليغ المعارف. لكن نشاط المتعلم في هذه الطريقة، يقتصر على السماع وأخذ نقط وكتابة الملخصات وحفظ وسرد، وذلك لأن النشاط الفعلي يقوم به المدرس. فهو الذي يملي، يقرأ، يشرح، ويستعين بأدوات تعليمية، يختارها ويوظفها...

غير أن هذه الطريقة الإلقائية، لا تلائم أهدافا مغايرة لاكتساب المعرفة، وذلك حين يكون الهدف متعلقا بما يلي :
1. تطبيق مهارات، أي اكتساب مهارات حس حركية..
2. تغيير مواقف (التعاون مثلا ).
3. اكتساب معارف دائمة. فالمعرفة لا يمكن أن تكتسب بشكل ملائم ودائم، إلا إذا ساهم المتعلم في اكتسابها. وما يبقى من المعرفة هو ما بذلنا فيه جهدا لمعرفته، وما عدا ذلك ننساه بسهولة.

2) الطريقة الحوارية : 
إذا كانت الطريقة الإلقائية تستوجب موقفا يكون فيه المدرس مرسلا والمتعلم متلقيا، فإن الطريقة 
الحوارية ( الفعالة ) تتطلب، على العكس، حوارا أو مناقشة بين المدرس والمتعلمين. وهي الطريقة التي تنص عليها التعليمات الرسمية، فيفترض بذلك أن تحقق ما يلي :
1.2. ضمان مساهمة المتعلم في الدرس.
2.2. التأكد من تهيئ المتعلم لواجباته.
3.2. ضبط الفصل الدراسي وتسييره.
4.2. التأكد من درجة فهم المتعلمين ومواكبتهم للدرس.
بهذا يمكن التمييز بين نوعين من الحوار : حوار عمودي وحوار أفقي :
ا) حوار عمودي :
وهو يعتمد على أسئلة المدرس الموجهة إلى المتعلمين، وذلك وفق نظام مسلسل من الأسئلة والأجوبة، يقوده المدرس لبلوغ معرفة ما. تسمى هذه الطريقة " تقنية : سؤال / جواب". وهي الطريقة السائدة في معظم الدروس التي ينجزها المدرسون في تعليمنا في المغرب.

إن هذه الطريقة لا تختلف عن الطريقة الإلقائية إلا من حيث استعمالها لتقنية،سؤال / جواب. فكيف ما كانت أجوبة المتعلم، فإنها تلتقي بالأجوبة التي هيأها المدرس مسبقا. فهي تلائم أهداف اكتساب المعرفة، كما هو الشأن بالنسبة للطريقة الإلقائية. والفرق بينهما يتجلى في نوعية الأنشطة التي يقوم بها المتعلم والمدرس. والمتعلم، على سبيل المثال، في الطريقة الإلقائية، يسمع، يكتب، يشاهد أو يقرأ... بينما في الطريقة الحوارية العمودية، يجيب، يسأل (إذا ما أتيح له طرح السؤال )، يحاور...

وأهم الخصائص المميزة لهذه الطريقة، تتمثل في المستويات التالية :
1. الأهداف : إن استعمال هذه الطريقة، يراد منها تحقيق الأهداف التالية :
1.1. إكساب المتعلمين لمعارف ومعلومات عن طريق أسئلة موجهة وأجوبة محددة.
2.1. جعل المتعلم يشارك في الدرس من خلال أجوبة وتدخلات.
3.1. تسيير الدرس عن طريق سلسلة من الأسئلة تقود إلى خلاصات ونتائج.
4.1. تشخيص وتقويم مدى مواكبة وحصيلة المتعلمين، قبل وخلال الدرس.

2. التطبيق : يلجأ إلى هذه الطريقة عندما يراد تحقيق ما يلي :
1.2. تقديم معارف ومعلومات نريد من المتعلمين اكتسابها، حفظها أو تذكرها(المعرفة).
2.2. تحليل معطيات معينة عن طريق تفكيك أجزائها وعناصرها أو تقسيمها إلى وحدات أو البحث عن العلاقات بين هذه الوحدات وتنظيمها( التحليل ).
3.2. وقد تستعمل في الفهم والتطبيق، إلا أن هذه المقولات تنسجم مع الطريقة الحوارية الأفقية أو طريقة البحث والمهام.

1.الاستعمال : إذا انطلقنا من سيرورة فعل تعليمي محدد، فإن استعمال هذه الطريقة، يمكن أن يوافق المقاطع التعليمية التالية :
1.1. عندما يريد المدرس تشخيص مكتسبات سابقة، ستنبني عليها مكتسبات لاحقة.
2.1. يستحسن استعمالها أيضا، عندما يتعلق الأمر بأهداف وسيطية، لأن هذه الأهداف تتوخى تقديم معلومات ومعارف جديدة عبر مقاطع.
3.1. تستعمل هذه الطريقة أيضا ، عندما نريد أن نحقق أهدافا نهائية. فالمدرس، في آخر الدرس، يطرح أسئلة محددة إلى المتعلمين، بهدف تركيب أو تطبيق أو تقويم المعطيات التي اكتسبها. غير أن الأسئلة التوجيهية لا تلائم دائما أهدافا نهائية، لأنها لا تتيح لجميع المتعلمين المشاركة وطرح آرائهم، الشيء الذي تتيحه الطريقة الحوارية الأفقية.

ب) حوار أفقي : 
يعني الحوار الأفقي، أن التواصل بين المدرس والمتعلمين، ليس عموديا، أي موجها ومحددا من طرف المدرس وحده. إنه حوار مفتوح ودائري بين المتعلمين من جهة، وبين هؤلاء والمدرس من جهة أخرى، على أساس، أن هذا الأخير طرف في الحوار، مثله مثل المتعلمين. والعبارة المناسبة لهذا الحوار هو " المناقشة الحرة ". فموضوع الحوار يختاره المدرس أو المتعلمين. ويفترض هذا الحوار منشطا لتسيير المناقشة والاهتمام خاصة بإتاحة مشاركة كل عضو في الفصل.

وأهم الخصائص المميزة لهذه الطريقة ،تتجلى في المستويات التالية :
1. الأهداف : تتوخى هذه الطريقة جعل المتعلم يحقق الأهداف التالية :
1.1. يكتسب المعرفة عن طريق تبادل المعلومات والخبرات والتجارب.
2.1. ينظم فكره، انطلاقا من البرهنة والاستدلال وطرح المشكلات.
3.1. ينمي قدراته على التبليغ والتواصل والتعبير، وكذا تلقي آراء الغير.
4.1. تكسبه مواقف إيجابية، كالتقبل واحترام آراء الغير.
5.1. تنمي شخصيته من حيث التكيف الاجتماعي وحرية التفكير.

2. التطبيق : تطبق هذه الطريقة، عندما نتوخى تغيير مواقف لدى المتعلم أو إكسابه مهارات معينة. ومن ثمة، فإن الأهداف الصنافية التي تنسجم وهذه الطريقة هي :
1.2. الفهم : فهم معطيات ومفاهيم عن طريق مناقشتها.
2.2. التركيب : تمكن من اقتراح خطة عمل، عن طريق مناقشة أو البحث عن موضوع أو وسائل أو طرق ، نريد استخدامها في ميدان معين.
3.2. التقويم : نقوم معطيات أو محتويات، ونقوم أعمال أنجزها المتعلمون.

3. الاستعمال : يمكن أن يستعمل المدرس هذه الطريقة حسب وضعيات تعليمية، وهي كما يلي :
1.3. عندما يريد المدرس أن يحصل على مؤشرات وبيانات عن المكتسبات السابقة للمتعلمين، سواء كانت معرفية أو منهجية أو موقفية.
2.3. عندما يهدف المدرس إلى أن يركب المتعلمون مجموعة معطيات تلقوها في درس أو مجموعة من الدروس، على شكل أفكار أو خلاصات أو استنتاجات.
3.3. عندما يطرح المدرس إشكالات وتباينات واختلافات في مواقف أو نظريات أو مناهج، يكون في الغالب، طابعها مفتوحا، فيلجأ المدرس إلى مناقشة حرة، تتيح لكل متعلم التعبير عن الرأي أو موقف أو فهم خاص.
4.3. عندما يريد المدرس تنمية أهداف وجدانية، كتحسيسهم بمثيرات وقضايا وظواهر، وجلب اهتمامهم تجاهها.

من هنا، يمكن التمييز بين الحوار العمودي والأفقي من خلال المقارنة التالية :
1. على مستوى الأهداف :
1.1. يهدف الحوار العمودي إلى اكتساب المعارف الآنية والجزئية،وهو ينسجم مع اكتساب المعارف فقط.
2.1. يهدف الحوار الأفقي إلى اكتساب المعارف الدائمة، وينسجم في الغالب مع اكتساب المهارات والمواقف، كاحترام الرأي والتعبير عن موقف والدفاع عن الذات وتقبل النقد.

2. على مستوى الأنشطة : 
1.2. يحتل المدرس في الحوار العمودي مركز المناقشة.
2.2. في الحوار الأفقي، هناك أدوارللتسيير والسمع والكلام. ويمكن للمتعلم أن
يصبح مسيرا للمناقشة ( منشطا ) على قدم المساواة مع المدرس.

3. على مستوى مضمون الحوار :
1.3. في الحوار العمودي، يكون المضمون محددا من طرف المدرس ومهيأ مسبقا.
2.3. في الحوار الأفقي، يكون المضمون مفتوحا بين المدرس والمتعلمين، وكذلك حسب تفاعلات وميولات جماعة الفصل.

3 ) طريقة المهام أو البحث :
هذه الطريقة، تجعل المتعلم في وضعية، تتطلب منه أن يبذل جهدا ذاتيا ونشاطا للتعلم. وهي طريقة يمكن أن تتداخل مع نموذجين من التعليم :
1.3. نموذج التعليم الموجه من طرف المدرس : وفيه تحدد المهام من طرف المدرس على شكل تكليف المتعلمين بإنجاز فروض وأعمال تطبيقية، وكذا العروض والأبحاث...
2.3. نموذج التعليم غير الموجه : تندرج الطرق الحديثة فيه في التربية الجديدة. ففي هذا النموذج، تتحدد المهام والأنشطة من طرف المتعلمين أنفسهم، دون تدخل المدرس.

وفي هذا الإطار، يميز ديكورت بين طريقتين :
1. طريقة الاكتشاف الموجه التي يتحكم فيها المدرس.
2. طريقة الاكتشاف الذاتي التي يكون فيها المتعلم مستقلا في أعماله، غير أن هذه الطريقة، رغم إيجابيتها، تتعرض لعوائق، منها : عدد المتعلمين ونظام الحصص وكثافة المقررات...

انطلاقا مما سبق، يمكن أن نحدد خصائص هذه الطريقة، من خلال المستويات التالية :
1. الأهداف :
تتسم أهداف هذه الطريقة مع أهداف المهام الذاتية. غير أن توجيه المدرس للمهام وتحديدها، لا يساعد على تحقيق كامل لهذه الأهداف. لأن المهام ومواضيعها تبقى مفروضة على المتعلمين. وبناء على هذا، فإن أهداف طريقة المهام الموجهة، تختلف عن أهداف طريقة الاكتشاف الذاتي. فما هي إذن أهداف طريقة المهام الموجهة ؟ إنها تتوخى تحقيق الأهداف التالية :
1.1. تعميق معارف المتعلم عن طريق إجراء أعمال تطبيقية وإنجاز مهام.
2.1. تهيئ معارف جديدة عن طريق الإستعداد القبلي.
3.1. تطبيق مهارات اكتسبها المتعلمون.
4.1. سد ثغرات الدرس واستكمال تكوين المتعلمين ( الدعم ).
5.1. اقتصاد وقت المدرس عن طريق تكليف المتعلمين بأعمال موازية.
2. التطبيق : 
1.2. تستعمل هذه الطريقة عندما نريد تحقيق أهداف تتعلق باكتساب أو تذكر معارف أو فهمها، مثلما تستعمل عندما نريد تطبيق مهارات ومعارف، يمكن أن توظف في التحليل والتركيب والتقويم.
2.2. تستعمل في تحقيق الأهداف الحس حركية والأهداف الوجدانية، كالتعبير عن رأي أو تحقيق مبادئ التعاون والتكيف مع الجماعة.
3. الاستعمال : من الوضعيات التي يمكن أن يوظف فيها المدرس طريقة المهام والبحث : 
1.3. عندما يريد المدرس أن يهيئ تلاميذه درسا.
2.3. عند نهاية درس أو حصة، حيث يلجأ المدرس إلى أعمال وأنشطة، الهدف منها، فهم أو تعميق معطيات ومعارف ومهارات...

4 ) طريقة العمل الجماعي :
إن وضعية العمل الجماعي، بخلاف العمل الفردي الذي نجده عند سكينر Skinner، وهو يعني أن كل متعلم يقطع مسارا معينا لبلوغ أهداف حسب قدراته ومعارفه ومؤهلاته، بحيث تتضح الفوارق بين المتعلمين، وينجز كل منهم أعمالا مختلفة وفق وتيرته. أما وضعية التعليم الجماعي، فإنها تفيد إشراك أكثر من متعلم في إنجاز مهمة أو نشاط.

ا) أهداف العمل الجماعي :
يتوخى العمل الجماعي مجموعة من الأهداف المتنوعة، منها ما يلي:
1. على مستوى المعارف : إن اكتساب المعرفة وتذكرها يلائم، في الغالب، العمل الفردي. لكن فهم وتحليل وتركيب أو تقويم المعارف، يمكن أن يستعان بالعمل الجماعي، إذ الهدف من ذلك هو تبادل الخبرات والتجارب والمعارف. 
2. على مستوى المهارات : يتيح العمل الجماعي، تطبيق أو تحليل معطيات يصعب أن ينجزها المتعلم لوحده، لأنها تتطلب التعاون وتبادل الرأي.
3. على مستوى المواقف : إن العمل الجماعي يتيح اكتساب مواقف وجدانية تتعلق بشخصية المتعلم :
1.3. ينمي روح التعاون واحترام الرأي الآخر.
2.3. ينمي روح المسؤولية لدى المتعلم.
3.3. ينمي روح النقد وإبداء الرأي والنقد الذاتي.
4.3. يعالج شخصية المتعلم عن طريق تنمية روح اجتماعية.

ب) إدماج العمل الجماعي في الطرائق التعليمية:
يمكن، منذ البداية، أن نقصي الطريقة الإلقائية من البداية من العمل الجماعي، وندمج هذا الأخير في الطريقة الحوارية، خصوصا، الحوار الأفقي المفتوح، كما يمكن أن ندمجه في طريقة البحث والمهام.
1. متى نستعمل العمل الجماعي؟ 
1.1. عندما يريد المدرس تشخيص المكتسبات السابقة للمتعلمين، إذ يمكن أن يكلفهم بمهام
جماعية لانجاز تمارين أو إجابة عن أسئلة تتعلق بمكتسباتهم السابقة.
2.1. عندما ينهي المدرس درسه. وفي هذه الحالة، يمكن أن ينجز عملا جماعيا على شكل مناقشة أو تمرين أو تجربة...
2. تقنيات إنجاز العمل الجماعي : إنها كثيرة، إلا أن هناك مبادئ عامة يمكن أن توافق مواد أو أنشطة مختلفة. ومن هذه المبادئ ما يلي :
1.2. من حيث تكوين الجماعة: نترك للمتعلم فرصة اختيار زملائه بحرية، وتسمى بالجماعة التلقائية. وخلالها، يختار المتعلمون من سيعملون معهم، إما لعلاقات منفعية أو ودية...غير أن هناك جماعات أخرى، يمكن أن تكون من طرف المدرس حسب مقاييس أخرى لذلك.
2.2. من حيث طريقة عمل الجماعة : حدد ديكورت أشكالا مختلفة لعمل الجماعة، وهي : 
1.2.2. مهام متوازية، حيث يقوم كل أفراد الجماعة بنفس المهام.
2.2.2. مهام تكاملية، تنجز كل جماعة صغرى جانبا من المهمة المطلوبة.
3.2.2. مهام تناسقية، حيث تعمل جماعة صغرى لتكمل عمل جماعة سابقة.
3.2. من حيث تنظيم النشاط : هذا العمل يستلزم خمس متغيرات أساسية وهي :
1.3.2. ينبغي للعمل الجماعي أن يحقق أهدافا محددة.
2.3.2. ينبغي أن يراعي الوقت المخصص لانجاز العمل.
3.3.2. ينبغي أن لا تتجاوز جماعة العمل ستة أو سبعة أفراد على الأكثر.
4.3.2. ينبغي تعيين منشط ومقرر للجماعة، من طرف المدرس أو المتعلمين.
5.3.2. ينبغي أن توضح للجماعة مهامها وشروط إنجازها ومعايير إتقان عملها. 

ولرفع كل لبس في استعمال المفاهيم المرتبطة بالطريقة التعليمية، نوضح المفاهيم التالية :
1.الأسلوب التعليمي: ويتميز عن الطريقة التعليمية بكونه يشير إلى ما يميز المدرس من خصائص وسمات شخصية، تعطي للدرس أو الطريقة طابعا شخصيا، يميز المدرس عن غيره. وهكذا فالأسلوب، يغلب عليه الطابع التوجيهي، يمارسه المدرس في جو من الحرية والتلقائية...
فإذا كانت الطريقة تميل إلى نسق من التقنيات التي تحدد شكل العمل في الفصل، فإن الأسلوب يحيل إلى السمات الشخصية التي تطبع تطبيق الطريقة من طرائق المدرس في التعامل مع المتعلمين.

2. التقنية التعليمية : وتشير إلى المهارات المختلفة التي يتم توظيفها في مرحلة معينة من المقطع التعليمي التعلمي، وتسمح بالتالي بتنفيذ الطريقة التعليمية المتبعة، في إطار سيرورة منظمة. مثلا: تقنية السؤال. تقنية جلب الانتباه. تقنية عرض الصور. تقنية توظيف السبورة. تقنية القراءة النموذجية. تقنية استعمال الوسائل...

3. المنهجية التعليمية : وهي مجموعة من الخطوات أو المراحل المنظمة والمرتبة، في سلسلة محددة، يقوم المدرس بتنفيذها وفقا لذلك النظام، حتى يتمكن من إنجاز الدرس. فدرس القراءة في مرحلة التعليم الأساسي، يمكن أن ينجز بطريقة حوارية أو إلقائية، ولكن منهجيته محددة، ينبغي على المدرس السير وفقها، بحيث تتم حسب خطوات حددتها التوجيهات الرسمية.

استنتاج عام :
يطرح سؤال طويل وعريض على المدرسين، حول كيفية التعامل مع الطرائق التعليمية، من الناحية العملية. فأية طريقة تعليمية يجب أن ينهج ؟ وكيف يمكن أن يختار بين هذه الطريقة أو تلك ؟ وهل بإمكانه التوفيق بين طرائق تعليمية، تستند كل واحدة منها على أسس مغايرة للأخرى، في حصة دراسية واحدة أو في مادة تكوينية محددة ؟

يكاد يتفق هنا جل الباحثين التربويين على أنه من الصعب الاحتكام إلى طريقة تعليمية دون أخرى، سواء كانت تقليدية أو حديثة، بحكم اختلاف الإطارات المرجعية المتعددة. لكن للتغلب على هذه الصعوبة، يبقى عل المدرس أن ينمي أولا، رصيده المعرفي النظري بكل ما يحيط بديداكتيكية الطرائق التعليمية، التقليدية منها والحديثة، وأن يلم قدر الإمكان، بمنهجيات التدريس الرسمية وغير الرسمية، وأن يتخذ موقفا حذرا ومرنا في التعامل مع المواقف التواصلية مع المتعلمين، خلال إنجازه للفعل التعليمي. في هذا الصدد، يشير ميالاري إلى أن الطرائق التعليمية، لا يفترض فيها أن تكون جافة ومتصلبة، بل يجب أن تتكيف دائما مع وضعيات المتعلمين. ويضيف كذلك : " بأن كل طريقة تعليمية، تنتج عن تلاقي عدة عوامل. وبهذا المعنى، تظل (الديداكتيك) دائما فنا؛ وهو العمل على أن تتكيف التوجيهات العامة الموجودة في كتب المنهجية، مع وضعية تعليمية محددة. فالتفكير البيداغوجي، وفي إحدى مستوياته، يهدف إلى البحث عن كيفية تعديد الطرائق التعليمية، حتى تتوافق أحسن مع الوضعية ومع المشاكل التي يجب حلها...".

لذا، لا يمكن استخدام طريقة واحدة لتحقيق أهداف محددة من خلال محتويات معينة، بل نحتاج إلى دمج مجموعة من الطرائق ( إلقائية وحوارية بشقيها وبحث ومهام، وكذا عمل جماعي أو عمل مجموعات )، بشكل واعي حسب تصنيف الأهداف المحددة ( عقلية معرفية، وجدانية، حس ـ حركية ) من خلال مقـولاتها الصنـافية، وذلك عبر الصيرورة التعليـمية التــي تنـطلـق مـن المـكتسبـات السـابقـــة (بداية الدرس )، ثم الأهداف الوسيطية ( خلال الدرس ) ، وأخيرا الأهداف النهائية (نهاية الدرس )، إلى جانب البحث أو المهام المنجزة قبل أو بعد الدرس.

إن دراسة وفهم موضوع ديداكتيكية الطرائق التعليمية من طرف الممارس، لا يمكن اعتباره وصفة جاهزة، يكفي الاطلاع عليها لإتقانها، لأن الديداكتيك كمجال تطبيقي، هي فوق كونها علم وفن، فهي مهارة وممارسة بالأساس، لا يكتسب الممارس إتقانها وتجديدها إلا بالخبرة والممارسة الواعيتين.

______________ 
بنعيسى احسينات


ـــــ 
المراجع :
1. المدرس والتلاميذ أية علاقة ؟ تأليف : جماعة من الباحثين. سلسلة علوم التربية. عدد: 3 .
2. في طرق وتقنيات التعليم. تأليف : جماعة من الباحثين. سلسلة علوم التربية. عدد: 7.
3. درسنا اليوم... تأليف: جماعة من الباحثين. سلسلة علوم التربية. عدد: 5. 1991.
4. سيكولوجية التعليم والتعلم الصفي. د. قطامي يوسف. دار الشرق. عمان. 1989.
5. الطرق الديدكتيكية. ذ. عارف عبد الغاني. مجلة الدراسات النفسية التربوية. عدد: 11. 1990.
6. آفاق وحدود الطرق الفعالة في التدريس. ذ. عبد الواحد المزكلدي. مجلة الدراسات النفسية التربوية. ع.11. 1990.

7. Les fondements de l’action didactique. De Corte. ed. S.A. Bruxelles. 1979 . 
8. Se former pour enseigner. Patrice Pelpel. Bordas. Paris. 1986.
9.Psychologie de l’apprentissage et téchniques d’enseignement. Thyne.M. James. Délachaux. Niestlé. France. 1970. 

المنهاج الدراسي



(من البيداغوجية والديداكتيك إلى المنهاج الدراسي)
مقدمة :
منذ ظهور علوم التربية، والبحث متواصل من أجل عقلنة وترشيد العملية التعليمية التعلمية. ولقد استفادت هذه الأخيرة بالفعل، في كثير من جوانبها، مما وصلت إليه الدراسات والأبحاث في عدد من فروع علوم التربية، خاصة ما يتصل منها بشكل مباشر بالفعل التعليمي وبشروط إنجازه. وهكذا تم استثمار معطيات فلسفة التربية في تحديد هدفية التربية وقيمتها وإمكاناتها وحدودها. كما تم استثمار معطيات سيكولوجية التربية في تحديد أساليب التعامل مع المتعلم. وتم كذلك استثمار معطيات سيكوسوسيولوجية التربية في رصد الظواهر السيكوسوسيولوجية السائدة داخل الفصل، ووعي مستوى العلاقات بين المتعلمين والمدرس، وضبط عوامل تحسين مناخ الفصل ليكون أرضية تعلم ملائمة حقا. وتم أيضا استثمار معطيات سوسيولوجية التربية في إدراك ووعي البعد الاجتماعي الذي يتحكم في العملية التعليمية التعلمية ومختلف التأثيرات التي يحدثها فيها.

كل هذه الاستثمارات وغيرها، انعكست على العمل التعليمي داخل الفصل، فصار لزاما على الدارسين والممارسين لعملية التعليم، أن يتمثلوا عددا من المفاهيم والتصورات التي تستند إليها الممارسة التعليمية على ضوء الديداكتيك.

فما هو هذا الديداكتيك ؟ وكيف تم الانتقال من البيداغوجية إلى الديداكتيك ؟ وأي معنى للمنهاج الدراسي، من خلال أسسه ومكوناته، على ضوء الخطاب الديداكتيكي ؟

I ـ من البيداغوجية إلى الديداكتيك :
للمساهمة في تصحيح القاموس البيداغوجي المتداول من أجل تجنب الانسياق وراء ما أسماه بياجي بالتضخم السيمانتيكي Inflation sémantique، وجب الوقوف قليلا عند مفهومين أساسيين هما : البيداغوجية والديداكتيك العام، لنتناول بعد ذلك، كيفية الانتقال من الأول إلى الثاني.

1. مفهوم البيداغوجية La pédagogie:
تتكون كلمة " بيداغوجيا " في الأصل اليوناني، من حيث الاشتقاق اللغوي، من شقين، هما : Péda وتعني الطفل، و Agôgé وتعني القيادة والسياقة، وكذا التوجيه. وبناء على هذا، كان البيداغوجي Le pédagogue هو الشخص المكلف بمراقبة الأطفال ومرافقتهم في خروجهم للتكوين أو النزهة، والأخذ بيدهم ومصاحبتهم. وقد كان العبيد يقومون بهذه المهمة في العهد اليوناني القديم.

فقد أخذت كلمة " بيداغوجيا " بمعان عدة، من حيث الاصطلاح، حيث اعتبرها إميل دوركهايم E. Durkheim : نظرية تطبيقية للتربية، تستعير مفاهيمها من علم النفس وعلم الاجتماع. واعتبرها أنطوان ماكرينكو A. Makarenko(العالم التربوي السوفياتي) : العلم الأكثر جدلية، يرمي إلى هدف عملي. وذهب روني أوبير R. Hubert، إلى أنها ليست علما ولا تقنية ولا فلسفة ولا فنا، بل هي هذا كله، منظم وفق تمفصلات منطقية. 

والملاحظ أن هذه التعاريف، وكثير غيرها، تقيم دليلا قويا على تعقد " البيداغوجيا " وصعوبة ضبط مفهومها، مما يدفع دائما إلى الاعتقاد أن تلك التعاريف وغيرها، ليست في واقع الأمر سوى وجهات نظر في تحديد مفهوم " البيداغوجيا ".

لذا، من الصعب تعريف " البيداغوجيا " تعريفا جامعا ومانعا، بسبب تعدد واختلاف دلالاتها الاصطلاحية من جهة، وبسبب تشابكها وتداخلها مع مفاهيم وحقول معرفية أخرى مجاورة لها من جهة أخرى. ولعل هذا ما يبرر سعي كل من غاستون ميالاري G. Mialaret وروبير لافون R. Lafon، إلى استعمال قاموس لغوي، يحاول أن يغطي ميادين متعددة متداخلة فيما بينها تداخلا شديدا. وهذا ليس بغريب، ما دامت علوم التربية لا تزال قائمتها مفتوحة لاستقبال علوم أخرى. ولكن الفعل والممارسة لا يستطيعان انتظار استكمال القواميس واستقراء المعاجم. ولهذا الاعتبار، نأخذ بوجهة نظر التي تميز في لفظ " بيداغوجيا " بين استعمالين، يتكاملان فيما بينهما بشكل كبير، وهما :
• إنها حقل معرفي، قوامه التفكير الفلسفي والسيكولوجي، في غايات وتوجهات الأفعال والأنشطة المطلوب ممارستها في وضعية التربية والتعليم، على الطفل و الراشد .
• إنها نشاط عملي، يتكون من مجموع الممارسات والأفعال التي ينجزها كل من المدرس والمتعلمين داخل الفصل.

هذان الاستعمالان مفيدان في التمييز بين ما هو نظري في البيداغوجيا، وما هو ممارسة وتطبيق داخل حقلها.

2. مفهوم الديداكتيك La didactique :
تنحدر كلمة ديداكتيك، من حيث الاشتقاق اللغوي، من أصل يوناني didactikos أو didaskein، وتعني حسب قاموس روبير الصغير Le Petit Robert، " درٌّس أو علٌّم " enseigner. ويقصد بها اصطلاحا، كل ما يهدف إلى التثقيف، وإلى ما له علاقة بالتعليم. ولقد عرف محمد الدريج، الديداكتيك في كتابه " تحليل العملية التعليمية "، كما يلي : " هي الدراسة العلمية لطرق التدريس وتقنياته، ولأشكال تنظيم مواقف التعليم التي يخضع لها المتعلم، قصد بلوغ الأهداف المنشودة، سواء على المستوى العقلي المعرفي أو الانفعالي الوجداني أو الحس حركي المهاري. كما تتضمن البحث في المسائل التي يطرحها تعليم مختلف المواد. ومن هنا تأتي تسمية " تربية خاصة " أي خاصة بتعليم المواد الدراسية (الديداكتيك الخاص أو ديداكتيك المواد) أو " منهجية التدريس "( المطبقة في مراكز تكوين المعلمين والمعلمات)، في مقابل التربية العامة (الديداكتيك العام)، التي تهتم بمختلف القضايا التربوية، بل وبالنظام التربوي برمته مهما كانت المادة الملقنة ".
ورغم ما يكتنف تعريف الديداكتيك من صعوبات فإن معظم الدارسين المهتمين بهذا الحقل، لجئوا إلى التمييز في الديداكتيك، بين نوعين أساسيين يتكاملان فيما بينهما بشكل كبير، وهما :
ـ الديداكتيك العام : يهتم بكل ما هو مشترك وعام في تدريس جميع المواد، أي القواعد والأسس العامة التي يتعين مراعاتها من غير أخذ خصوصيات هذه المادة أو تلك بعين الاعتبار.
ـ الديداكتيك الخاص أو ديداكتيك المواد : يهتم بما يخص تدريس مادة من مواد التكوين أو الدراسة، من حيث الطرائق والوسائل والأساليب الخاصة بها.

لكن هناك تداخل وتمازج بين الاختصاصين، بل لابد من تضافر جهود كل الاختصاصات في علوم التربية بدون استثناء. إن التأمل في أي مادة دراسية، تجرنا إلى اعتبارات نظرية شديدة التنوع : علمية، سيكولوجية، سيكوسوسيولوجية، سوسيولوجية، فلسفية وغيرها. كما تفرض علينا في الوقت ذاته، العناية ببعض الجزئيات والتقنيات الخاصة، وبعض العمليات والوسائل التي يجب التفكير فيها أولا عند تحضير الدروس، ثم عند ممارستها بعد ذلك. فلا بد من تجاوز الانفصال والقطيعة بين النظريات العامة والأساليب العملية التطبيقية. فعلينا كمدرسين، ألا نحاول الوصول إلى أفضل الطرق العملية فحسب، بل نحاول أن نتبين بوضوح، ما بين النتائج التي نتوصل إليها عند ممارسة الفصل الدراسي، وبين النظريات العامة من علاقة جدلية. 

3. الانتقال من البيداغوجيا إلى الديداكتيك : 
يقودنا تحديد المفاهيم إلى تفسير الانتقال من البيداغوجيا الى الديداكتيك، حيث يقول فرانسوا تيستو F.Testu، في كتابه: من السيكولوجيا إلى البيداغوجيا : " إن الوضعية البيداغوجية، تتميز في الواقع بخصوصية وغنى، لدرجة أنه ينبغي، حسب بياجي J.Piaget، معالجتها لذاتها بأكثر تجريبية ممكنة، مستعملين ميتودولوجية السيكولوجيا. وبتعبير آخر، فإن البيداغوجية التجريبية وحدها قادرة على أن تؤسس الديداكتيك".

ويتضح من هذا القول، أن البيداغوجية التجريبية هي التي كانت وراء ظهور الديداكتيك. وبناء عليه، يمكن إعادة التصور العام لحركية العلم البيداغوجي، والقول بأن الانتقال كان في البداية أصلا، من الفلسفة إلى السيكولوجيا، ومن السيكولوجيا إلى البيداغوجيا، ثم من البيداغوجيا إلى الديداكتيك. يبقى هنا أن نتساءل. هل بإمكان تجاوز الديداكتيكي للبيداغوجي ؟ وبالتالي، هل الديداكتيك يلغي البيداغوجيا ويقيم معها القطيعة ؟ أم أنه يبقى على الدوام بحاجة إليها ويشتغل لفائدتها ؟ إن هذه التساؤلات هي التي تجعلنا نعتقد أن في الإمكان تصور الحركة في الاتجاه المعاكس، أي من الديداكتيك إلى البيداغوجيا، انطلاقا من جدلية قائمة بينهما لا تلغيها انشغالات واختصاصات كل منهما.

II ـ الديداكتيك والمنهاج الدراسي :
مع تركيز الاهتمام بالمصطلح التربوي، وسعي الدارسين نحو تحديده بشكل دقيق، وتحديد ما بين كثير من المفاهيم البيداغوجية المستعملة من صلة أو تداخل، ظهر الانشغال بمحاولة إبراز العلاقة بين مفهوم الديداكتيك ومفهوم المنهاج، وارتباط كل منهما بالآخر. ونتيجة لذلك، صرنا نجد في الإنتاجات التربوية المعاصرة، إشارات إلى تلازم المفهومين، لحد اعتبر معه المنهاج الدراسي أحيانا مجالا يغطي الاهتمامات المشكِّلة لموضوع الديداكتيك. وانطلاقا من هذه العلاقة، نتساءل عن معنى مفهوم المنهاج الدراسي، وعن أسسه ومكوناته.

1. مفهوم المنهاج الدراسي Curriculum: 
تعود لفظة منهاج إلى أصل إغريقي، وتعني سباق الخيل أو النهج أو الطريقة التي يسلكها الفرد. وقد وظف اليونان المنهاج في التربية، وكان مرتبطا بالفنون السبعة: النحو، البلاغة، المنطق، الحساب، الهندسة، الفلك والموسيقى. وقد عرِّف المنهاج من زوايا مختلفة، وسنقتصر على تعريف طارق محمد، الوارد في معجم علوم التربية، مع تصرف طفيف: " يعبر المصطلح منهاج في استعماله الفرنسي، عن النوايا أو عن الإجراءات المحددة سلفا، لأجل تهييء أعمال بيداغوجية مستقبلية. فهو إذن خطة عمل، تتضمن الغايات والمرامي والأهداف المقصودة، والمضامين والأنشطة التعليمية، وكذا الأدوات الديداكتيكية، من طرائق التعليم وأساليب التقويم. وعلى عكس الأدبيات التربوية الفرنسية، تميل الأدبيات الإنجليزية إلى تعريف مفهوم المنهاج، كفعل وواقع، يمارس من طرف المدرس وتلامذته في القسم ".
ونظرا لتداخل بعض المصطلحات القريبة من مفهوم المنهاج، نقف عند بعضها لمحاولة إبراز ما يمكن تسجيله من فرق بينها وبينه.

ــ مصطلح المنهج La méthode : هو مجموع المراحل أو الخطوات التي يتبعها الباحث في دراسة موضوع ما أو ظاهرة كيف ما كان حقل انتمائها. وفي هذا الإطار، تتعدد المناهج بحسب موضوع الظاهرة المدروسة، فنجد مثلا المنهج الوصفي، والمنهج التاريخي، والمنهج التجريبي...إلخ.
ــ مصطلح منهجية التدريس Méthodologie d’enseignement : هي عبارة عن إجراءات تنظيمية دقيقة لمحتوى المادة أو الخبرة المراد تبليغهما للمتعلمين خلال الدرس. وتتبع في مثل هذا التنظيم أسس، ترتبط من جهة، بطبيعة المادة التعليمية وخصوصيتها، ومن جهة أخرى، بالتصور العام الذي تنجز في إطاره عملية التدريس(ديداكتيكية المواد أو الديداكتيك الخاص).
ـ مصطلح البرنامج(المقرر) Le programme : يرتبط البرنامج بالمحتوى المراد تبليغه للمتعلمين، وهو أحد مكونات المنهاج الدراسي. يتكون عادة من موضوعات مادة تعليمية معينة التي يتعين تدريسها خلال فترة زمنية، تحدد في الغالب في سنة دراسية بكاملها.

2. أسس المنهاج الدراسي : 
يعتبر المنهاج الدراسي جزء لا يتجزأ من المشروع التربوي العام الذي تظل فلسفة التربية توجهه بشكل دائم، داخل المجتمع، إلى جانب المساهمات الفعالة لباقي علوم التربية، لأجرأة هذا المشروع. ومن ثمة، فإن هناك أسسا محددة، تؤطر المنهاج، فيستنبط منها تصوراته ومكوناته. تتلخص هذه الأسس في الجدول التالي : 

- أسس فـلسـفية: هي مجموعة من القناعات والتصورات العامة التي تسير وفقها العملية التعليمية، وكذا المواقف المحددة من المتعلمين، ومما ينبغي أن يتعلمون أكثر من غيره. ورغم اختلاف وتباين توجهات نماذج من الفلسفات، فهي تلتقي كلها في توجيه المنهاج الدراسي نحو تحديد الغايات والأطر العامة التي يجب أن ينطلق منها كل مكون من مكوناتها.

- أسس اجتماعية اقتصادية: هي مجموعة من الخصائص الحضارية والمقومات الاقتصادية للمجتمع، عبر صيرورته التاريخية المتجدرة في تاريخه السياسي والاقتصادي وتراثه الثقافي وقيمه الدينية والأخلاقية، وتفاعله مع الحضارات المعاصرة له. فالمحتويات الدراسية والخبرات المراد تبليغها هي خبرات المجتمع، تعبر بدقة عن واقعه، وكذا عن طموحاته.

- أسس سيكولوجية تربوية: هي مجموع المعطيات المتصلة بالخصائص السيكولوجية للمتعلم :
ـ كطبيعة المرحلة العمرية للمتعلم وحاجاته المختلفة.
ـ والأساليب والتقنيات التي تساعد المتعلم على التعلم بدافعية وفعالية.
ـ وتنظيم الخبرات التعليمية وفق مستواه العمري والعقلي.
ـ وأساليب قياس درجة التعلم، تضمن لديه قدرا من الموضوعية والصدق والثبات.

- أسس معرفية علمية: تتصل بما وصلت إليه الإنسانية من تطور في حقول معرفية متنوعة، يستفيد منها المنهاج الدراسي، على بلورة خبرات ومحتويات تعليمية، تقدم للمتعلمين وفق برنامج محدد من جهة، ومن جهة أخرى، يستعين بها في النظر إلى العملية التعليمية التعلمية، بكيفية تجبر هذه الأخيرة على أن تخضع إلى حقائق معرفية علمية صارمة.


3. مكونات المنهاج الدراسي : 
إذا كان المنهاج الدراسي بالتعريف، نسق أو كلية من العناصر أو المكونات والوظائف المترابطة فيما بينها بعلاقات وعمليات التي تقود، بفعل صيرورتها الداخلية، إلى تحقيق غاية ما، أمكن تحديد مكوناته في الأهداف والمحتويات والطرق والوسائل والتقويم والدعم، إلى جانب المدرس والمتعلم والعلاقة بينهما، في إطار مؤسسة تعليمية معينة. وتتشكل هذه المكونات من الأفعال التي يقوم بها كل من المدرس والمتعلم، في علاقة مع المادة الدراسية وغيرها، انطلاقا من مظهر بنائي، يحدد شبكة العلاقات بين المكونات ومواقعها، وانطلاقا من مظهر وظيفي، المحدد بالعمليات والمهام التي تقوم بها المكونات المذكورة، دون أن ننسى العلاقة التي تربطه جدلا بالوسط الاجتماعي. 

فالنسق التربوي يستمد غاياته وتوجهاته من المحيط الاجتماعي، ببنياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تشكل السياسة التربوية لذلك النسق، ثم يؤثر ويوجه المنهاج الدراسي في أهدافه ومضامينه ووسائل إنجازه وتقويمه ودعمه. ويؤثر المنهاج الدراسي بدوره، من خلال تلك الطاقة البشرية التي يكونها معرفيا ومهاريا ووجدانيا ومنهجيا، في الوسط التربوي من جهة، والمحيط الاجتماعي من جهة ثانية.
__________ 
ذ. بنعيسى احسينات
ـــــــــــــــــ
المراجع :
ـ تحليل العملية التعليمية. محمد الدريج. منشورات الدراسات النفسية التربوية. 1983.
ـ الدرس الهادف. محمد الدريج. مطبعة النجاح الجديدة. الطبعة الأولى. 1990.
ـ معجم علوم التربية. مجموعة من المؤلفين. سلسلة علوم التربية. ع.9 /10. دار الخطابي للطباعة والنشر.1994.
ـ العملية التعليمية والديداكتيك. سلسلة التكوين التربوي. خالد المير وآخرون. ع.3. مطبعة النجاح الجديدة. 1994.
ـ البرامج والمناهج. مجموعة من المؤلفين. سلسلة علوم التربية. ع. 4. دار الخطابي للطباعة والنشر. 1990.
ـ من البيداغوجيا إلى الديداكتيك. رشيد بناني. منشورات الحوار الأكاديمي والجامعي. البيضاء. 1991.
ـ وضعيات الديداكتيك وارتباطها. محمد أمزيان. مجلة علوم التربية. ع.5. 1993.
ـ مفهوم المنهاج ومفهوم البرنامج. محمد طارق. مجلة علوم التربية. ع. 4. 1993. 
ـ مسائل ديداكتيكية. محمد فاتحي. مجلة ديداكتيكا. ع. 3. 1992.
ـ التربية الاشتراكية. أنطوان مكارينكو. ترجمة أديب يوسف شيش.دار الفكر. بدون تاريخ.
ـ المنهاج التعليمي. محمد أحبادو. مجلة التدريس. ع. 7. 1984.
ـ المناهج التربوية. قوما جورج خوري. المؤسسات الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. بيروت. 1983.
ـ المنهاج الدراسي وحاجات الطفل. أحمد وزي. مجلة علوم التربية. ع.5. 1993.
ـ المناهج التربوية. حسن فكري. عالم الكتب. القاهرة. 1972.
- Les règles de la méthode sociologique. E.Durkheim. P.U.F. Paris. 1968.
- Evolution de la relation pédagogique. J.Ardoino. in. Education et Pédagogie. Larousse. Paris. 1977.
- La didactique en questions. L.Cornu et Vergnioux. Hachette. Paris. 1992.
- Les fondements de l’action didactique. De Corte. Ed. Universitaires De Boeck. Bruxelles. 1990.
- Traité des sciences pédagogiques. M.Debesse et G.Mialaret. P.U.F. Paris. 1969.
- La didactique et ses principales préoccupations. C.Begin. C.P.R. Rabat. 1980.