مدخل
تطمح هذه الدراسة إلى بلورة مجموعة من المفاهيم النظرية التطبيقية التي يقدمها علم اللغة الحديث كأساس للمقاربة النصية تحقيقا للقراءة الفاعلة، وغير بعيد عن مقرر اللغة العربية للسنة الثانية ابتدائي، تترامى أطراف نظريات لسانيات النص كعلم يؤسس للمنظومة النصية، وعلى أساس هذه المعطيات تم تفصيل توجهات البحث، كدراسة وصفية تأتي أكلها من ناحيتين:
فهي من ناحية إعادة تأصيل للأساس التصنيفي للمقرر.
كما أنها قراءة في آليات الأداء التربوي الناجع الذي ينبغي للمعلم أن يسلكه.
تطرح لسانيات النص في صورة مجملة ثلاثة مستويات، تعتبر حلا في منظورها لمقاربة أي نص، وتأتي هذه المستويات على الترتيب: المستوى الدلالي / المستوى النحوي / المستوى الفونولوجي، إضافة إلى مستوى لم نر ضرورة التطرق إليه على أساس عفوية أدائه من جهة ووضعية المرحلة التعليمية من جهة أخرى، وإن كان حضوره ملموسا بشكل ما تحت لازمة أقرأ وأميز، هذا المستوى هو المستوى الصرفي الذي تتناوله الدراسات الحديثة بمصطلح المورفيم.
هذا وقد حاولت هذه الدراسة الاعتماد على آخر ما تطرحه النظريات اللغوية المعاصرة والتي وجدت من نصوص القراءة حقولا خصبة لها.
I - المقاربة النصية
المصطلح والأفاق:
يرجع مدلول مصطلح المقاربة في اللغة إلى الدنو والاقتراب، مع السداد وملامسة الحق، فيقال: قارب فلان فلانا إذا داناه، كما يقال: قارب الشيء إذا صدق وترك الغلو ومنه: قرب، أي: أدخل السيف في القراب.
وبإعادتنا تركيب اللفظ للازمته (المقاربة النصية) نستطيع القول إن هذه الملازمة تعني بصورة إيحائية الدنو من النص والصدق في التعاطي معه بعيدا عن الحكم المسبق عليه.
بعودتنا إلى مدلول المصطلح ككل في عرف الاستعمال النصوصي اللغوي نجد أن المصطلح يقابل بمصطلح آخر هو الدراسة اللغوية للنص أو "لسانيات النص"، وبما هي دراسة لغوية، فهذا يعني أنها لا تتخذ من الأحكام المسبقة منهجا لها.
فهل يعني أن من المناهج ما يتخذ منطلقات بعينها غير منهج اللغة في الدراسة؟
والإجابة بطبيعة الحال تكون إيجابا، لأن الكثير من الدراسات تتخذ من المعايير المسبقة ضوابط لتفصيل طبيعة النص ثم الحكم عليه، ومن أمثلة ذلك النقد الإيديولوجي والنقد الأدبي اللذان يعتبران تصورا مسبق للنص، لهذا برزت بعض النداءات للبدء في "النقد اللغوي للنص الجديد".
كيف تكون دراسة النص مقاربة؟
تكون دراسة النص مقاربة عندما تحاول "ملامسة سطحه" و"الدنو منه بصدق" دون الحكم المسبق عليه، أي بجعل الدراسة اللغوية المنغلقة أساسا لذلك.
II المقاربة النصية وآليات التحليل
إذا كانت لسانيات الجملة تعتمد على مجموعة من المستويات التي ترى من خلال فرضياتها أنها السبيل للإمساك ببنية الجملة والإفادة بتحليلها، فإن لسانيات النص تعتمد على المستويات نفسها، لكن مع التعالي بها إلى ما يتجاوز حدّ الجملة أي – النص – وبعيدا عن مناقشات النص والخطاب والجملة وتحديداتها الدقيقة نبت في تحديد مستويات التحليل النصي التي تم إقرارها ضمن الدليل التربوي نفسه.
تتحدد مستويات التحليل اللغوي بالنسبة للسانيات النص على أساس النقاط التالية:
المستوى الفونولوجي (الصوتي).
المستوى النحوي (التركيبي).
المستوى الدلالي.
من خلال تفحص المستويات المذكورة سابقا، تتبين لنا آليات المقاربة النصية من منظور لسانيات النص، وعلى هذا الأساس يمكننا تأطير عملية التحليل اللغوي باعتبار النص بنية دلالية مجردة كما يرى هالداي وروقية حسن، وقولنا بالبنية الدلالية يقتضي لا محالة اعتبار كل التخصصات انجازات نصية، تكون الإحالة إلى نظمها المعرفية من خلال النظم اللغوية نفسها إن فرضية كهذه تسعى لإثراء الرصيد اللغوي عند التلميذ. هذا الرصيد الذي يتم اكتسابه عن طريق تشغيل المستويات التحليلية السابقة وجعل النص حقلا خصبا لها، دون البحث عن الحقيقة خارجه، طالما أن المعرفة العلمية الدقيقة بالنسبة للتلميذ مسألة معقدة، كما أن الهدف من القراءة ذو طابع لغوي تواصلي بالدرجة الأولى.
تهدف القراءة كحصة مبرمجة في المقرر إلى تعليم التلميذ اللغة من جهة وإلى إكسابه آليات الفهم والاستيعاب وكذا اكتشاف السمة التركيبية التي ينبني عليها النص من جهة أخرى، وهذا إعدادا له لمرحلة الإنتاج والابتكار التي يحاول فيها محاكاة النماذج المثالية عبر إعادة تركيب النظم اللغوية.
يمكن اعتبار حصة القراءة الثانية التي تستهلك ثلاثين دقيقة من الوقت مرحلة إعادة استدراك لبنى النص اللغوية والتركيبية التي تم تحليلها من خلال حصة المناقشة الأولى، لذلك فإن رهان أدائها مميزة متعلق بمدى الاستفادة من السابق والقدرة على تحقيق اللاحق (كتابة، تعبير)، وحرصا على الأداء الحسن لهذه المستويات، سنحاول تناولها كل على حدة، مع تمييز خصائص كل مستوى بما يخدم الوظيفة التعليمية التي نطمح للوصول إليها.
III النص ومستويات التحليل
سوف نحرص من خلال ما سيتم تقيمه تحت هذا العنوان على ترتيب المستويات التحليلية حسب تموضعها في مصنف القراءة للسنة الثانية، آخذين بالطرح المقدم من طرف اللغويين
1 / المستوى الدلالي (أشرح):
تأسس علم الدلالة كعلم يبحث في خصائص الكلمة المفردة وتحولاتها عبر التاريخ ليضع أسسا لنظرية المعنى، وتفرع عنه دراسات مختلفة (تاريخية ووصفية ومقارنة) ومن ضمن ما يطرح هذا الحقل خاصية الترادف اللغوي التي لم تحض بتأييد الكثير من اللغويين من منطلق أن هذه الظاهرة (الترادف) مسألة غير موضوعية.
ومن جهتنا نلمس تلك الميزة الواضحة، إذا لا يمكن اعتبار كلمتين مختلفتين مهما كان الأمر متساويتين في المعنى، فرغم ذلك التقارب إلا أن لكل وحدة لغوية مدلول يختلف عن الأخرى، فبشيء من التأمل نجد أن كلمة (وفد) تحمل من الطاقات الدلالية ما لا تحمله كلمة (جاء) أو (أقبل)، هذا فضلا عن تلك الطروحات التي ترى بإمكانية شحن المفردات المألوفة بدلالات غير مسبوقة كما يشيع استعماله اليوم في بعض النصوص الروائية والشعرية.
من هذا المنظور يبدأ التأسيس لمفهوم الدلالة السياقية كإجراء معقول للكشف عن المحتويات الدلالية للكلمات، ومن وجهة نظر اللسانيات المعاصرة فإن الدال أو الصورة السمعية لا يشكل أكثر من رمز صوتي أو كتابي لمدلول يمثل الصورة الذهنية، وهو بذلك يختلف عنه تماما إذ لا نلاحظ أي علاقة حتمية أو طبيعية بين الصورة السمعية والصورة الذهنية، فتظل السمة التواضعية أساس العلاقة.
ومن هذا المبدأ يمكننا اعتبار الشرح الترادفي نقلا لرمز لغوي (سمعي أو كتابي) إلى رمز آخر، بدل استحضار الصورة الذهنية التي لا يمكن لها أن تتهيأ إلا بالتوظيف السياقي الذي يفتح أفق الخيال لتمثل الفكرة.
إن أول ما يثير انتباه الملاحظ لمصنف القراءة للسنة الثانية هو ذلك التوظيف المقصود لنظرية السياق، تمثلا كاملا، إذ تجري معظم المفردات على المنوال التداولي داخل الجملة، وهنا ينبغي الإشارة إلى أهمية هذا العمل كونه يرسخ الكلمة كمدلول ومفهوم، ومن الأداء الحسن للمعلم والكامل أن يصاحب هذه النظرية في عمليته التربوية عند تعرضه للكلمات الغامضة، بأن يوظفها في جمل تعبر عن محيط التلميذ الذي يتطلع إلى الاهتمام به بمجرد سماع المثال ومنه يتوصل إلى التركيبة المفهوماتية للدليل اللغوي (الكلمة).
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق