قم بزيارة هذه الصفحات

أخلاقيات المهنة ...أولا



أبو هشام
الأخلاق، بالمفهوم العام، هي الركيزة الأساسية في حياة الأمم، باعتبارها الموجه الرئيسي للسلوك الإنساني والاجتماعي والتربوي، نحو التضامن والتعايش والاحترام المتبادل، وما يترتب عنها من قيم ومبادئ، تسهر على تنظيم المجتمع من أجل الاستقرار وتحقيق السلام. فبدون الأخلاق لا يمكن الحديث عن سلامة واستقرار المجتمع وتقدمه ورقيه. يقول أحمد شوقي: 

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت 
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

فتخليق الحياة ضرورة إنسانية واجتماعية لا مناص منها. لذا فأخلاقية المهنة في المجال التربوي، موضوع مقالنا، يعتبر في صميم التوجه الأخلاقي العام في حياة الشعوب والأمم. فبدون تخليق الحياة العملية نكون قد حكمنا على أنفسنا بالضياع والانحطاط والتخلف.

يبقى أن نتساءل. لماذا الاهتمام بموضوع أخلاقيات المهنة في المجال التربوي ؟ و ما مفهوم أخلاقيات المهنية هذه وأهميتها ؟ وكيف يتحقق اتجاه المدرس نحو المهنة؟ وما هي نتائج هذا الاتجاه إيجابا ولسلبا نحو مهنة التدريس؟


1ـ لماذا الاهتمام بموضوع أخلاقيات المهنة في المجال التربوي ؟
كان المدرس قديما، يحضى في المجتمع العربي عموما وفي المجتمع الجزائري على الخصوص باحترام وتقدير كبيرين، حيث كان يلعب دور المرشد والموجه والمؤطر لجميع أنشطة الجماعة التي تتردد على المدرسة أو الكتاتيب القرآنية؛ فكان يؤم المصلين ويفتيهم في أمور دينهم، ويعلمهم قواعد العبادات والمعاملات، ويعلم أبناءهم مبادئ المعرفة والأخلاق، ويشاطر السكان أفراحهم وأحزانهم، ويفك الصراعات بين أفراد الجماعة، ويبرم العقود... وكان المدرس مقابل هذا الحضور الإيجابي محط تقدير واعتزاز، فتحتضنه الجماعة فتأويه وتطعمه وتكرمه وتدمجه بين أفراد عائلتها، باعتباره أمينا على القيم الأخلاقية، بالإضافة إلى كونه قدوة للصغار بسلوكه وإشعاعه داخل المؤسسة وخارجها، حتى كاد أن يرتقي إلى مرتبة الرسول، كما يقول الشاعر أحمد شوقي: 

قـم للمعـلم وفـه تبجيـلا 
كـاد المعلم أن يكـون رسـولا



لقد اقترنت التربية عند سائر الأمم بتنشئة الأطفال وفق القواعد الأخلاقية والقيم التي يقرها المجتمع، إلا أن البعد الأخلاقي اضمحل في العقود الأخيرة، بحيث أن المدنية المعاصرة فرضت قيما أخرى غير القيم الأخلاقية، فسادت النزاعات المادية على العقول والنفوس، ولم تعد ظروف العيش تضمن للمدرس الاطمئنان على مستقبله ومستقبل أفراد أسرته، فبدأ مركزه الاجتماعي يتقلص في العقود الأخيرة بفعل عدة عوامل وضغوط، واهتزت مكانة المدرس في المجتمع، وانتقلت من التقدير والاحترام إلى الحذر واللامبالاة والاحتقار، وتتجلى هذه العوامل والضغوط في:
ـ تراجع التوجه المثالي الأخلاقي أمام طغيان التوجه المادي البرغماتي (النفعي)، وسيطرته على العقول والنفوس.
ـ صعوبة الجمع بين المبادئ والمصالح.
ـ تزايد الحاجة إلى المدرسين نتيجة الانفجار الديموغرافي وتشجيع التمدرس خاصة في العالم القروي، مع اختلال عملية انتقاء المدرسين.
ـ الوقائع اليومية والموسمية (الامتحانات مثلا) التي تفرز مجموعة من الاتهامات الموجهة إلى رجال التعليم، دون أن ننسى ما تبثه وتنشره وسائل الإعلام بين الفينة والأخرى من فضائح وممارسات منحرفة (اغتصابات، هتك العرض، عنف، عقوبات بدنية، غش، تغيبات متكررة...).
ـ ظاهرة الساعات الإضافية، وما تشكله من استغلال بشع للتلاميذ وأوليائهم.
ـ الشعور بخطورة الحالة على أكثر من صعيد، ويكفي الاستدلال على درجة تلك الخطورة، الإشارة إلى انشغال منظمة " اليونيسكو " بالأمر وتحركها بكل إمكانياتها ووزنها لتجعل موضوع " دعم أخلاقيات رجل التعليم " أحد انشغالاتها البالغة الأهمية، بغاية تطوير عطائه ولإعادة الاعتبار إليه.
ـ الوعي المتنامي والإجماع الموضوعي لكافة مكونات المجتمع على ضرورة بعث ثقافة أخلاقية جديدة، مبنية على مبادئ النزاهة والاستقامة والتفاني والإخلاص في خدمة الصالح العام.
2 ـ مفهوم أخلاقيات المهنية في المجال التربوي:
تعتبر أخلاقيات المهنة كل ما يتبادر إلى الذهن من سلوكات ومواصفات ومواقف وقيم أخلاقية، التي يجب أن يتحلى بها المدرس أثناء مزاولة مهمته التربوية والتعليمية ودوره الأخلاقي بشكل عام.
من بين هذه المواصفات نذكر منها: 
- الاقتناع والرضا عن المهنة، 
- الإخلاص لها والتحلي بالمروءة والضمير المهني،
- التضحية والحلم، 
- التواضع والقدوة الحسنة...الخ.



إن أخلاقيات المهنة تتجلى بالأساس في تأسيس علاقات إيجابية مع المهنة، ومع المتعلمين وأوليائهم، واحترام آراء المتعلمين وتشجيعهم على الاستقلال في اتخاذ القرارات المرتبطة بمصيرهم التربوي والتعليمي التعلمي.

على ضوء ما سبق، يمكن أن نستند إلى المقاربة الأولية لمفهوم أخلاقيات المهنة،  ... العمل على ضوء مجموعة من الضوابط والسلوكات والمواقف المرتبطة بخصوصية التربية والتعليم. ويقتضي هذا المفهوم الوعي بأهمية العلاقات والاتجاهات في أبعادها المختلفة والمعرفة بالذات وفق ما تستوجبه المرجعية المهنية ".

نستنتج مما سبق أن أخلاقيات المهنة ليست علما قائما بذاته، أو مادة دراسية خاصة، وإنما هي ثقافة ذاتية ذات طبيعة سلوكية ووجدانية. إن اهتمامها بالسلوك والوجدان يجعلها في النهاية ترتبط كثيرا بالقيم (الحق والخير والجمال) ما دام السلوك يصدر عن قناعة بالقيم وتشبع بالمواقف. لهذا يظل هاجس أخلاقية المهنة هو تكوين منظومة من قيم تحكم علاقات المدرس مع نفسه ومع الآخرين، والعمل على توجيهها نحو تحرير الذات الفردية وإبراز طاقاتها الخلاقة في مجال المهنة.

إن أخلاقيات المهنة تتجاوز رهانات التربية بمعناها العام، سواء ما ارتبط منها بمجال المعرفة الخالصة(نتعلم لنعرف) أو بمجال الوجود (نتعلم لنكون) أو بمجال العمل (نتعلم لنفعل) أو بمجال الوجود مع الآخر (نتعلم لنكون مع الآخر).

لهذا تتجلى الغاية من وراء أخلاقيات المهنة في تعزيز وترسيخ القيم؛ قيم المواطنة ـ قيم الدين الإسلامي ـ قيم الأخلاق السامية ـ قيم الديموقراطية ـ قيم حقوق الإنسان وحقوق الطفل والأسرة ـ قيم الفئات البشرية المختلفة، فضلا عن توعية الشغيلة التعليمية بأبعاد الرسالة التربوية والتعليمية تجاه الفرد والمجتمع، بغية استضمار سلوك أخلاقي يلعب فيه الضمير المهني دورا فعالا وإيجابيا.

3 ـ أهمية أخلاقيات المهنية في المجال التربوي 
تتجلى أهمية دراسة موضوع أخلاقيات المهنة في تعزيز الممارسات الأخلاقية التي ينبغي أن تنعكس بشكل أكثر إيجابية في منهجية التدريس، وفي العلاقات التربوية بين مختلف مكونات الوسط المدرسي، وتكوين لدى المدرس اتجاهات إيجابية نحو المهنة، إذ تبصره بالتزاماته الأخلاقية، وتوعيته بأبعاد الرسالة التعليمية التي يتحملها تجاه الفرد والمجتمع. كما تنظم علاقاته الإدارية الاجتماعية، وتدربه على أساليب التعامل اللائق مع مختلف مكونات المجتمع المحلي والوطني، هذا فضلا عن معرفته لقواعد الانضباط الأخلاقية، والقدوة الحسنة، والتحلي بالضمير المهني والابتعاد عن الشبهات، من أجل تحقيق الوعي بأهمية البعد ألقيمي الأخلاقي في مجال التربية والتكوين، وإشاعة ثقافة جديدة مبنية على أساس احترام مواثيق حقوق الإنسان وحقوق الطفل والأسرة، ودعم الارتباط بالمؤسسة والحفاظ على سمعتها وتفعيل دورها الإشعاعي، هذا فضلا عن تنمية روح التواصل والتعاون والاحترام المتبادل بين مختلف الفرقاء.








4. الاتجاه نحو المهنة
تنطلق أخلاقية المهنة أساسا من وجود اتجاه إيجابي نحو المهنة. فلا يمكن الاطمئنان إلى تشكل هذه الأخلاقية من دون وجود هذا الاتجاه. لذلك يبقى موضوع الاتجاه نحو مهنة التدريس الإطار العام لكل الاتجاهات والمواقف والتمثلات والإدراكات وتوقعات الأدوار في العملية التعليمية.

إن دمج آداب المهنة وأخلاقياتها، لا يمكن أن يتأتى بالوعظ والإرشاد بل بالإقناع والاقتناع. وهذا الاقتناع لا يتم إلا عبر الانخراط في ثقافة المؤسسة وقبول العمل فيها. لذا لا يمكن مطالبة رجل التعليم بالالتزام بأخلاقية المهنة ما لم يكن له موقف إيجابي من هذه المهنة. إن مهام التعليم معقدة ومركبة حيث تتداخل الحياة المهنية لأصحابها مع حياتهم الخاصة. 

فأمام تعدد مهام الفعل التعليمي لابد من توفر شروط موضوعية وأخرى ذاتية للقيام بهذه المهام: فالموضوعية منها ترتبط بالأوضاع المادية والمعنوية للمهنة، أما الذاتية المرتبطة بالمدرس ذاته، تتنوع النظريات بصددها منها القائلة:
ـ بالقدرة على حل المشاكل والقابلية للتكيف مع مختلف المواقف والوضعيات التعليمية (التوفر على اتجاه ديموقراطي، التوفر على مميزات النظام والتخطيط، التوفر على الدفء الإنساني في العلاقات).
ـ بفهم المتعلم والقدرة على النظر إلى الوضعية التعليمية نظرة شمولية.
ـ بالتوفر على تكوين قادر على توفير إمكانية التعامل مع مبادئ التربية الحديثة من جهة، والقابلية للتطور والتجديد ومتابعة المتعلمين وفهمهم والتعاون مع الزملاء من جهة أخرى.
ـ بالوعي بمفارقات الذات ومساعدة المتعلمين على فهم الصعوبات التي تواجههم في العملية التعليمية.


إن هذه الشروط التي يمكن اعتبارها جزء من مكونات أخلاقية مهنة التدريس لا يمكن أن تتوفر من دون وجود اتجاه إيجابي نحو المهنة. وهكذا فقد أكد "هانون" على حب العمل كشرط ضروري لخلق الاستعداد وروح المسؤولية في ممارسة المهام. وقد اعتبر "دوترانس" أن حب المهنة هو أهم شرط وليس فقط وجود ضمير مهني مرتكز على اعتبار ممارسة المهام من باب الواجب.



 أهمية اتجاه المدرس نحو المهنة

لقد أصبحت اتجاهات المدرس، من أكثر المواضيع إثارة للاهتمام، ضمن مجال البحث في معطيات الفعل التعليمي، باعتبار أن التأثير الذي يمارسه المدرس، لا يرجع فقط إلى ما يعرفه، بل إلى ما هو عليه وما يحمله من قناعات وتوجهات أيضا. إن المدرس ينخرط بكامل شخصيته في العملية التعليمية، ولا يمكنه أن يعلق خصائصه النفسية والاجتماعية والعقلية والتاريخية عند باب الفصل الدراسي. ولما كانت العملية التعليمية هذه ترتكز بشكل كبير على العلاقات، فإن هذا التركيز هو ما يسمح لاتجاهات المدرس، بأن تحل أهمية كبرى في مجال محددات العمل التعليمي. ويعرف " بيركينز" و "كرومب" اتجاه المدرس بأنه هو ما يظهره عند تفاعله مع المتعلمين والمواقف التعليمية المختلفة داخل الفصل الدراسي. وبعبارة إجرائية يمكن القول: إنه (اتجاه المدرس نحو المهنة) موقف واضح نسبيا للمدرس تجاه موضوعات ترتبط بالعملية التعليمية (المتعلمون، المؤسسة، المنهاج، الأحداث والوقائع التعليمية والمبادئ التربوية...). هذا الموقف، يعبر عن نفسه بوضوح عبر أعراض ومظاهر مختلفة (طبيعة ممارسة مهام التعليم، طبيعة العلاقة مع العناصر المرتبطة بالفعل التعليمي، اختيار الطريقة والأسلوب...). لذا، فاتجاهات المدرس توجد على رأس عوامل نجاحه في مهمته. وقد برهنت العديد من الدراسات أن تغيير الاتجاهات لدى المدرس نحو الأفضل يؤدي إلى تحسين نتائج المتعلمين.

وتتميز الدراسة في مجال الاتجاه نحو مهنة التدريس، بكونها حاولت الاستفادة من نتائج علم النفس الصناعي على مستوى الإطار المرجعي النظري، كما استفادت على مستوى المنهجي في صياغة أدوات قياس الاتجاهات وطرق الملاحظة.

من الملاحظ أن هناك تنوعا في المصطلحات المستخدمة للدلالة على الاتجاه نحو المهنة، إذ نجد مصطلحات: الروح المعنوية، الانشراح في العمل، الرضا الوظيفي أو المهني ، الميل إلى المهنة أو غيره... إلا أنه ينبغي التمييز بين هذه المفاهيم؛ فالروح المعنوية، هي تلك الروح السائدة بين العاملين في المؤسسة، والتي تتميز بالثقة في هذه المؤسسة وفي جماعة العمل، وبالتقدير الذاتي لدور كل عامل في المؤسسة، وأهميته بالنسبة لجماعة العمل، وبالولاء والإخلاص لمؤسسة العمل، والاستعداد للكفاح والنضال من أجل تحقيق أهداف المؤسسة، والعمل على إنجاحها والمحافظة عليها والدفاع عنها من أي تهديد (الشعور المشترك بين جماعة ما).

أما الإحساس بالانشراح (السرور) في العمل، هو الانخراط العميق للشخصية في العمل، حيث تغني الشخصية العمل ويغني العمل الشخصية في نفس الوقت ويطورها.

أما الميل نحو مهنة التدريس، فهو من أكثر المفاهيم استعمالا كمرادف للاتجاه نحو المهنة، لكن بعض المهتمين يعتبرون أن هناك فرقا جوهريا بينهما؛ فالاتجاه موقف من موضوع ذي صبغة اجتماعية يثير إشكالية، بينما الميل هو موقف يجسد رغبة في شيء، وهذه الرغبة ذاتية شخصية ولا يمكن أن تثير إشكالية بين الناس.

وتستعمل مجموعة من الدراسات مفهوم الرضا الوظيفي أو الرضا عن المهنة كمرادف أيضا لمفهوم الاتجاه نحو المهنة. ويعرف الرضا عن الميل، بكونه تعبير عن الموقف الذي يتخذه الفرد تجاه عمله بصورة تعكس نظرة هذا الفرد، وتقويمه لعنصر أو أكثر من العناصر الموجودة في محيط العمل. كما يعرف أيضا بأنه درجة شعور الفرد بمدى إشباع الحاجات التي يرغب في أن يشبعها من وظيفته من خلال قياسه بأداء وظيفة معينة.

إن الاتجاه الإيجابي من مهنة التدريس حسب "بيشوت" وغيره، يتشكل من مجموعة من الأبعاد، أهمها: الموقف من تحقيق الحاجات إلى التواصل، الاندماج في الجماعة، حب المتعلمين. أما "ناصف عبد الخالق" فقد استعرض مجموعة من المكونات والأبعاد، التي صنفها في ثلاثة:
ـ الرضا بسياسات العمل في المؤسسة، وتشمل سياسات الأجور والتعويضات والترقيات الخ ؛
ـ الرضا بعلاقات العمل (العلاقات مع الآخرين في محيط العمل)؛
ـ الرضا بالعمل في حد ذاته (حب العمل والميل إليه والتفاني فيه).

ويرى "ميالاري" أن اتجاه المدرس نحو المهنة يتشكل من اتجاهات جزئية كالتالي:
ـ اتجاه نحو ذاته ومدى تعلقه بمهنته ونسيان ذاته (الرضا، الإخلاص، التثقيف الذاتي...)؛
ـ اتجاه نحو المتعلمين (حب، احترام، تفاهم، تسامح...)؛ 
ـ اتجاه نحو الجماعة (ديموقراطي، عادل ومنصف، محايد، موجه، مساعد...)؛
ـ اتجاه نحو الواقع المدرسي (الموقف من المقررات والمناهج)؛
ـ اتجاه نحو الحياة بصفة عامة.

ووضع حميد عبد الجبار وآخرون أربعة مجالات ضمن الاتجاه نحو مهنة التدريس، وهي:
ـ الموقف من المكانة الاجتماعية لمهنة التدريس؛
ـ الموقف من الخصائص الشخصية التي تتطلبها المهنة؛
ـ الموقف من القدرات المهنية؛
ـ الموقف من مستقبل المهنة وما تحققه من إشباعات مادية.

أما " إيفانز" فقد وضعت مكونات هذا الاتجاه كالتالي:
ـ الموقف من طبيعة وظروف العمل؛
ـ الموقف من مكانة مهنة التدريس وأجورها؛
ـ الموقف من الصفات الشخصية للمدرسين؛
ـ الموقف من العلاقات مع الزملاء في المهنة.

ب. نتائج الاتجاه الإيجابي نحو مهنة التدريس
لقد تمحورت أهم الدراسات التي تهدف إلى البحث في نتائج نمط الاتجاه، نحو مهنة التدريس حول العلاقة بين هذا الاتجاه ومستوى الإنتاجية لدى المدرس، ونتائج ذلك على المستويين، في حين اتجهت دراسات قليلة أخرى إلى البحث في علاقة طبيعية لهذا الاتجاه والتوافق النفسي لدى المدرس. وفي كل الحالات تقريبا، كان التركيز على أهمية اكتساب المدرس لاتجاه إيجابي نحو مهنته، وخطورة تواجد اتجاه سلبي لما يمكن أن يخلقه هذا الأخير من تأثيرات خطيرة، سواء على مستوى المردودية التربوية للمدرس أو على مستوى صحته النفسية.

وقد بينت بعض الدراسات أن اتجاه المدرس وسلوكه يحددان صورته لدى متعلميه. وهذه الصورة التي يحملها هؤلاء المتعلمون عن مدرسهم، تؤثر على نجاحهم وتطورهم. إن المدرسين المتقبلين لمهامهم، يكون تلامذتهم أكثر نجاحا بحيث يكون المدرس نموذجا في ضوء اتجاهه نحو المادة التي يدرسها، ونحو عملية التعليم بوجه عام. فازدياد الاهتمام والاتجاه الإيجابي للمدرس نحو المهنة، يؤدي إلى ازدياد إتقان الفرد لها. وكنتيجة، فإن الاتجاهات نحو مهنة التدريس هي مفتاح التنبؤ بنموذج الجو الاجتماعي الذي سوف يؤكده المدرس في الصف، وآن الاتجاه الإيجابي للمدرس نحو مهنته يساعد على القيام بعملية التعليم بصورة سليمة،وفق مجالاتها الأربعة: السلوكية ( الديموقراطية، العدل، الإخلاص، المواطنة، الالتزام...) والوجدانية ( الحلم، الود، الإنسانية، التفاؤل، التشجيع...) والسلوكي الوجداني ( العبر والقدوة داخل المؤسسة وخارجها) والمعرفية ( اكتساب ثقافة مهنية، إدارية، تنظيمية وعلائقية) وكذا مواصفات المدرس الأخلاقية المحددة. في حين تبقى الاتجاهات السلبية دون تحقيق الأهداف والغايات المتوخاة.

ج. الاتجاه السلبي نحو المهنة
إن الاتجاه السلبي نحو مهنة التدريس وعدم الرضا عنها، يمكن أن يؤدي إلى الرفع من درجة العدوانية والانزواء والإحساس بالإحباط، وهي ردود فعل عصابية تؤثر سلبا على ممارسة مهام الفعل التعليمي، وتؤدي إلى نتائج سلبية بالنسبة لعملية التعليم. فممارسة أية مهنة من دون وجود اتجاه إيجابي نحوها، غالبا ما يخلق الانحراف النفسي الذي هو ظاهرة نفسية تتميز بعدم الرضا على الذات وطغيان التشاؤم والتبريرية المرضية.

فإذا كانت مختلف المهن لا يتم النجاح فيها إن وجد مثل هذا الاتجاه، فإن مهنة التدريس تبقى أكثر إلحاحية على ضرورة توفر اتجاه إيجابي منها، نظرا لطابعها وخصوصيتها؛ فهي مهنة تركز على علاقات تفاعلية قوية، تستلزم الرضا والرغبة في العمل، كما أنها ترتكز على إعطاء النموذج وتمرير مجموعة من التعلمات عبر عمليات التماهي، إضافة إلى أن عملية التعليمية / التعلمية هي عملية وجدانية أيضا، وتتأثر بالمواقف والعواطف والتمثلات.

ملحوظـــــة
في النهاية يطرح علينا السؤال التالي: كيف ينبغي أن تكون المساهمة في تشكيل أي اتجاه إيجابي نحو المهنة؟ 

في البداية يصطدم المرء بحاجز المحبطات والمعيقات الذاتية والموضوعية لوجود هذا الاتجاه (الإقبال على العمل والرغبة فيه والرضا عنه، المكانة الاجتماعية، الأجور...).

إن ما يمكن فعله في مجال التكوين هو، من جهة، تحليل واقع الممارسة وتفكيك الميكانيزمات المعيقة، وتعميق الوعي بأهمية الفعل التعليمي في تجاوز مجموعة من المعيقات التعليمية، والإسهام في بلورة وتعميق أنسنة الإنسان من خلال حقوقه وواجباته، انطلاقا من حقوق الطفل. ومن جهة أخرى، تجاوز دروس الوعظ والإرشاد في ضرورة حب المهنة والرضا عنها والإخلاص لها، وغيرها من محددات أخلاقية المهنة عبر أساليب أكثر فعالية وأكثر حداثة، بالاعتماد على تقنيات السيكوسسيولوجيا ( لعب الأدوار، عمل ومناقشة داخل المجموعات، تقنيات التنشيط الجماعي...)


عن / بنعيسى احسينات ..بتصرف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق