قم بزيارة هذه الصفحات

المدرس : بين النظرة السطحية وسيادة أحكام القيمة



مخطئ من ظن، ولو لوهلة، أن الأسرة التعليمية تنحصر في هيئة التدريس فقط، بل هي جهاز مترابط ومتماسك، والغريب أن مهمة التربية يتم اختزالها، في أغلب الأحيان، في جانب واحد دون سواه، طبعا فيما يتعلق بمحاولات عزل طرف حاسم في العملية البيداغوجية عن كل متكامل ليسهل جلده ومحاكمته، في محاولة يائسة للتنصل من المسؤولية المشتركة، والتموقع خارج دائرة أطراف متداخلة ومنسجمة، تدخل تحت تسمية مؤسسات التربية، من منطلق وحدة الأهداف، بل حتى الآليات أحيانا، وإصدار الأحكام يعد مزايدة لا طائل من ورائها، فمن خلال توجيه الإشارات المتكررة يتضح أن الأمر يرتبط بالتصور العام، والذي يعد نشازا غريبا، بل يعكس النظرة أحادية القطب، والتي تتأسس على جملة أصول موجهها الفريد هو المجتمع، فالمجتمع يساهم بشكل كبير في بناء وتوحيد الرؤى والأفكار العامة للأفراد، وهو الأمر الذي يضفي على المسألة طابعا جمعيا يمتلك سلطة الرقابة والتوجيه، حتى باتت كل المعارف والأحكام المتداولة في إطار المؤسسة المجتمعية حقائق ومسلمات، لتتحول أحكام القيمة المعيارية إلى معارف قارة، لدرجة أن كل من زاغ عنها يعتبر شادا، واستثناء غريبا لا يمكن الأخذ به .

يتعلق الأمر بأزمة توحيد التصور، وصعوبته أحيانا، بخصوص تقويم أداء الأسرة التعليمية وإصدار الأحكام بصددها، والتي عادة ما يتم اختزالها في هيئة التدريس، إذ يظهر واضحا، منذ الوهلة الأولى، أن القضية يكتنفها بعض الغموض، مرده بالأساس إلى انعدام الضبط المفاهيمي بسبب قصور في المعرفة، واستحضار الذاتية في أغلب الأوقات، فعلى مستوى بناء المفاهيم وتوحيد التوجهات العامة، فإن المسألة تتطلب توفر النظرة الشمولية، وتفرض الموضوعية في التدخل، مع استحضار شرط الفاعلية، قبل إصدار الأحكام، ففيما يتعلق بمكون يتألف من عناصر مختلفة، بل يشكل كيانا منسجما يجعل من المسألة كل متكامل، ويضع المدرس في حلقة من سلسلة مترابطة، بل ليس سوى طرفا في العملية التربوية، لدرجة يصعب معها فصل جزء عن كل من ناحية ، ومن زاوية أخرى، تكمن الأزمة الحقيقية، في انعدام الضبط المفاهيمي، كما أسلفنا، إضافة إلى محاولة تحويل أحكام القيمة إلى معارف ملزمة، بل قارة في أوقات كثيرة .

يتضح مما سلف، أن التصور العام يطغى عليه نوع من السطحية و التجزيئية، فالنظرة التجزيئية هي توجه ضبابي يختزل قضية مصيرية لها أهميتها البالغة في عنصر فريد، وهو المدرس، ونقصد دائما العملية البيداغوجية، فبحكم قوة وجودها وتجدرها في المجتمع، فقد باتت قضية وطنية ترتب على رأس الأولويات، بسبب اشتغالها على الظاهرة الإنسانية، والعمل على توجيهها نحو الأفضل، من خلال ربط العلاقة بين عنصري الشخصية والسلوك، في محاولة لخلق الانسجام باعتماد النموذج الأفضل الذي يخدم أساسيتين، وهما : المعرفة الراقية الكفيلة بصنع مجتمع الأفكار، ثم تحقيق التنمية الحقيقية من خلال توفير شروطها البشرية .

بتركيز شديد، يتعلق الأمر بأزمة مفاهيم تكرست، بل طغت، فنتج عنها نظرة سطحية أفرزت قصورا في التوجه، أدى إلى سيادة أحكام معيارية، بسبب طغيان الذاتية، تحولت بحكم طابعها الجمعي إلى معارف قارة، لهذا يتحتم استحضار سلسلة مترابطة من المعارف التي تروم تحري الموضوعية، كخيار يفرض نفسه، فالمحطة تقتضي التأسيس لمرحلة تصحيح المعارف وتعديل التصورات، مما يفرض تحقيق المصالحة بين جميع عناصر الفعل البيداغوجي، وبينه و بين المجتمع، قبل العمل على توحيد التوجهات العامة لعناصر المجتمع، ليبقى المدرس الحلقة الأهم ضمن منظومة التربية والتكوين، لكنه، بأي حال من الأحوال، ليس كلها، بل جزء من كل .

بقلم : عبد الحفيظ زياني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق