قم بزيارة هذه الصفحات

عسر القراءة

 كتب : بركات وهاب




بابا وماما العزيزين:

" أنا لا أريد أن أذهب إلى المدرسة بعد الآن، لأن الأطفال يضحكون علي. أنا لا أستطيع القراءة، لذا أرجوكم ساعدوني".

ابنكم مفيد

لا يعدّ مفيد غبيًا، لكنه وفقًا لتقويم المختصين، يعاني من مشكلة يشترك فيها ملايين الأطفال والبالغين هي عسر القراءة.

ظهر مصطلح الديسلكسيا (عسر القراءة) عام 1884 على يد طبيب العيون الألمانيّ بيرلين (R.Berlin) الذي اشتقها من الكلمتين اليونانيتين: (ديس) التي تعني عسرًا أو صعوبةً و(ليكيس) التي تعني كلمةً. واستخدم المصطلح لوصف اضطرابات معيّنة في القراءة مع غياب الاختلالات المرضيّة في أعضاء الإبصار. وفي نشرة لاحقة عام 1887 ذكر بيرلين أنّ عسر القراءة ينتج من خلل في الجزء الأيسر من الدماغ. وقد أشار إلى (عمى الكلمات)، وسَرَد مشاهداته لستة مرضى يعانون خللًا في الدماغ أدّى إلى فقدانهم القدرة على القراءة، على الرغم من قدرتهم تمامًا على التواصل الشفوي مع الآخرين.

فيما بعد توسّع التعريف المحدود لمصطلح عسر القراءة عمّا وضعه بيرلين، بحيث أصبح يشير في يومنا هذا إلى الطفل أو البالغ الذي يبدو أكثر ذكاءً ممّا توحي به قراءته وكتابته. ومع أنّ المصطلح يستعمل غالبًا لوصف مشكلة مزمنة في القراءة، إلا أنّه لا يوجد إجماع نظريّ أو علميّ على السمات الخطيرة أو المميّزة التي تفرّق عسر القراءة عن مشكلات القراءة الأخرى. وعلى الرغم من ذلك فبالإمكان ملاحظة الأعراض الآتية للحكم على الطفل بأنّه يعاني مشكلةً قرائيةً ويحتاج إلى المساعدة:

1. الارتباك الاتجاهيّ

قد يأتي الارتباك الاتجاهي على صور عديدة، مثل الخلط بين اليمين واليسار، أو عدم القدرة على قراءة خريطة ما بدقة.

ويؤثّر الارتباك الاتّجاهيّ في مفاهيم أخرى أيضًا، مثل الأعلى والأسفل، والقمة والقاع، والاتّجاهات الأربعة، والالتزام بالمكان المخصّص عند ممارسة الألعاب، والقدرة على تقليد حركات معلِّم اللياقة.

ويعدّ الارتباك الاتجاهيّ سببًا في عكس الحروف والكلمات والأرقام، ومن أعراضه:

- قراءة أو كتابة الجيم خاءً، أو التاء ثاءً، أو الفاء قافًا، أو العكس.

- إحالة التنوين نونًا، والضمة واوًا، والفتحة ألفًا.

- قراءة الأرقام أو كتابتها معكوسةً: (17 بدلًا من 71، و12 بدلًا من 21) .



2. صعوبات التسلسل

يواجه كثير من ضعاف القراءة مشكلات في ملاحظة تسلسل الأشياء أو تذكرها. وسيؤثّر هذا بطبيعة الحال في قدرتهم على القراءة والتهجئة بطريقة صحيحة. تتألّف الكلمات جميعها من حروف ذات تسلسل معيّن، ولضمان قراءتها على نحو سليم يجب إدراك هذا التسلسل وتذكّر الكلمات الناتجة منه، وإلّا فقد تُقلَب كلمة (بطل) إلى (طبل)، و(بجع) إلى (عجب)، و(فرشة) إلى (شرفة). وقد تُقدّم الصفة على الاسم، كقلب (الجوّ جميل)، إلى (جميل الجوّ)، أو يقدّم الاسم المجرور على حرف الجرّ، مثل: (المدرسة في) بدلًا من (في المدرسة)، وقد تُحذَف بعض الحروف، مثل:( طارة) بدلًا من (طائرة)، و(سارة) بدلًا من (سيّارة)، و(مفك) بدلًا من (مُفكّك).

وقد يتعرّض الذين يعانون من عسر القراءة لمشاكل في تذكّر الترتيب الهجائيّ للحروف، وسلاسل الأرقام، مثل أرقام الهواتف، أو أشهر السنة، أو الفصول الأربعة، أو الأحداث اليوميّة. ويجد الصغار صعوبةً حتى في تذكّر أيّام الأسبوع. ولا يستطيع بعضهم ترديد الكلمات الطويلة مثل (ديمقراطيّة)، و(الاستثناءات).

3. صعوبات تتعلّق بالكلمات الصُغرى

يكرر بعض أولياء أمور هؤلاء الأطفال القول: "إنّه مهمل جدًّا، إذ يستطيع قراءة الكلمات الكبيرة والصعبة وكتابتها، لكنه يخطئ عادةً في الكلمات الصغيرة". صحيح أنّ ارتكاب الأخطاء في الكلمات الصغيرة يزيد الأمر سوءًا، لكن هذا أمر شائع، ولا يعدّ دليلًا على إهمال الطفل أو كسله.

4. التأخّر في النطق

أظهرت نتائج البحوث ترابطًا مثيرًا بين التطوّر غير السويّ في اللغة المنطوقة وإعاقات التعلّم، مثل عُسر القراءة، وهذه بعض الأمثلة:

- أجرى الطبيب الألماني رينات فالتين Valtin Renate عام 1970، دراسةً على مئة من طلاب عسر القراءة، ومثلهم من الطلاب العاديين، فكشفت اضطرابات متكرّرةً في الكلام، ومؤشّرات تأخّر في تطوّر النطق لدى طلاب عسر القراءة بنحو أكبر ممّا لدى الطلاب العاديين.

- يُشير الطبيب بيف هورنسبيBeve Hornsby مؤلّف كتاب "التغلّب على عسر القراءة"، إلى أن 60% من أطفال عُسر القراءة يتأخّر نطقهم.

- ذكرت جانيت إيرنJanet lerne في كتابها "صعوبات التعلّم" أنّ مشكلات اللغة بصورة أو بأخرى هي أساس العديد من صعوبات التعلّم، وأنّ اضطرابات اللغة المحكية تتضمّن ضعف إدراك الأصوات الكلاميّة، وتأخّر الكلام، واضطراب في بناء الجمل، وقصور في اكتساب المفردات، وسوء فهم للغة المحكيّة.

يتعيّن على الطفل غالبًا أن يكون قادرًا على فهم الكلمات والأوامر البسيطة منذ عمر تسعة شهور، وأن ينطق أولى كلماته في عمر السنة. وأن يستوعب ما يصل إلى (200) مفردة في عمر السنتين، مع استعمال عبارات بسيطة من كلمتين مثل، "أريد حليبًا". وفي عمر الثلاث سنوات يتوقّع منه استيعاب ما يصل إلى (900) مفردة، واستعمال جمل كاملة دون أيّ حذف. قد يخلط بين الحروف في هذه السنّ، لكنّ يبقى كلامه مفهومًا خارج محيط الأسرة. ويتوقّع في عمر الرابعة أن تكتمل قدرته على الحديث على الرغم من استمرار بعض الأخطاء في الجانب النحوي. وإذا تكلّم الطفل بطريقة لا توحي بالنضج، أو استمرّ في ارتكاب أخطاء لغوية غير متوقّعة في عمر الخامسة، فإنّ ذلك بمثابة إنذار لأولياء الأمور باحتماليّة حصول مشكلات في قراءته لاحقًا. لذا يتعيّن عليهم عندئذٍ القيام بخطوات فوريّة لتحسين لغة ابنهم.






5. صعوبات في الكتابة

يعاني بعض أطفال عُسر القراءة من ضعف في مهارات الكتابة بما يسمّى "عُسر الكتابة"، ومن أعراضه:

- الكتابة غير المقروءة عمومًا.

- عدم الاتساق بين الحروف.

- الخلط بين أشكال الحروف في أول الكلمة ووسطها وآخرها.

- عدم الانسجام بين الحروف من حيث الحجم والشكل.

- كتابة حروف ناقصة.

- صعوبة استعمال الكتابة وسيلةً للتواصل.

أعراض أخرى لعسر القراءة

- سرد حكاية تستند إلى الرسوم دون أن يكون لها علاقة بالدرس.

- القراءة ببطء وتردّد.

- فقدان المتابعة للسطور ممّا يؤدّي إلى القفز عنها، أو إعادة قراءة سطور قُرئت سابقًا.

- محاولة لفظ حروف كلمة معيّنة وقراءتها، لكن على نحو غير صحيح فيما بعد.

- ضعف الإدراك.

- تذكُّر القليل من المادّة المقروءة.

- تهجئة الكلمات على نحو غير صحيح.

- تجاهل علامات الترقيم الواجب مراعاتها عند القراءة ليمكن فهم المعنى الصحيح.

- ضعف القدرة على النسخ من السبورة.


خيارات العلاج؟

* لا يوجد علاج للديسلكسيا، ولكن هناك عدة طرق تساعد الطفل علي التغلب على صعوبات القراءة والكتابة. في معظم الحالات التشخيص المبكر يساعد علي مساعدة الطفل في اكتساب مهارات للتغلب على الصعوبات. يشير المعهد الوطني للصحة إلى أن 95 % من حالات صعوبة القراءة يمكن أن تتحسن إذا تلقت مساعدة فعالة في وقت مبكر. يتوقف العلاج على شدة الحالة ومتي تم تشخيصها. وهناك العديد من المناهج التعليمية لتدريس الأطفال ذوي عسر القراءة، ولكنها جميعا تركز على طرق التدريس وأساليب التعليم وهي: > تعليم الطفل استعمال جميع حواسه إن أمكن. > التعلم المنظم حيث تعد الدروس بطريقة تجعل المعلومات تعطي بجرعات صغيرة. > التعلم التراكمي حيث تبني المهارات تدريجيا. > التعلم الشامل حين تتم المراجعة المتكررة، حتي يتمكن الطفل من استخدام الحروف والأصوات الصحيحة والقواعد تلقائيا. > التعلم النشط ويشمل إعداد الدرس بأنشطة قصيرة ومتنوعة. أسلوب التعليم عن طريق سماع الصوتيات أثبت فعاليته على تحسين تعليم القراءة عند الأطفال الذين يعانون من الديسلكسيا. في هذا الأسلوب يتم التركيز علي الأصوات التي تمثل الحروف بدلا عن الحروف ذاتها.



* ماذا يمكن أن يفعل الآباء؟

* لا شك أن دور الوالدين مهم جدا في كيفية تغلب الطفل علي صعوباته عن طريق تهيئة جو بناء وملائم في البيت وفي المدرسة. واذا استطاع الوالدان أن يفهما حالة الديسلكسيا سيستطيعان مساعدة طفلهم بصورة أحسن. إذا تركت الديسلكسيا من دون تشخيص أو لم تعالج على نحو سليم، فعادة ما يصبح الطفل معقدا وغير متحمس للتعلم. من المهم أن نتذكر أيضا أن العلاج يستغرق وقتا طويلا، وفي بعض الأحيان قد يستغرق 3 سنوات أو أكثر حتي يتمكن الطفل من تحسين قدرته على القراءة. والأمر متروك للآباء للتحلي بالصبر والحماس لمساعدة طفلهم. يري الخبراء أن الأطفال المصابين بمرض الديسليكسيا هم موهوبون، وسماتهم المشتركة هي بعد النظر، وخيال خصب، والفضول لمعرفة كيفية عمل الأشياء والقدرة على التفكير والإدراك باستخدام جميع الحواس. كما أنهم خلاقون ومبتكرون للغاية، ولديهم مهارات فائقة في حل المشاكل وقدرات ذهنية جيدة. إذا كان طفلك مصابا بمرض الديسليكسيا ، فكر في هذه السمات الايجابية ووفر له كل المساعدة، لا تنظر إلى مشكلة القراءة نظرة سلبية فقط، اعتبرها فرصة لغرس الثقة فى طفلك والعمل معه خطوة بخطوة لتعلم القراءة والكتابة. ولا يغيب عن بالك أن طفلك موهوب في مجالات أخرى، ولديه المقدرة على التفوق في العديد من الأنشطة، فمعرفة وفهم الطفل قد تجعل الأسرة تعد "البرت اينشتاين" آخر بالحب والدعم.

هناك تعليق واحد:

  1. بارك الله فيك في أختيار هذا الموضوغ الذي بدون شك سيساعد أبناءنا لتجاوز الصعاب .
    أخوكم الربيع

    ردحذف